“بوليتيكو”: مخابرات أمريكا زادت من جمع المعلومات عن “حماس” وغزة لكنها تواجه عقبات
قالت مجلة “بوليتيكو” إن وكالات الاستخبارات الأمريكية واجهت معضلة تتعلق بجمع المعلومات عن غزة.
ونقلت المجلة عن مسؤولين حاليين وسابقين قولهم إن الولايات المتحدة طالما كافحت من أجل جمع معلومات استخباراتية عن حركة حماس.
وأضافت المجلة في تقرير لها أن الولايات المتحدة زادت من عمليات جمع المعلومات عن قطاع غزة بعدما فوجئت بهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ولكنها تواجه ثغرات في جمع المعلومات الاستخباراتية المهمة لإنهاء النزاع. وقد مضى عام على الحرب ولا تزال الوكالات الاستخباراتية الأمريكية تكافح لفهم الدينامية السياسية الداخلية لحركة حماس شبه المسلحة، وإن كانت مستعدة لوقف إطلاق النار وطموحها البعيد الأمد في غزة وكل الأجوبة التي يحتاجها صناع السياسة الأمريكية لمنع اندلاع حرب شاملة في المنطقة.
وقال مسؤولون في الاستخبارات، حاليين وسابقين، إن الإدارات الأمريكية اختارت وعلى مدى العقود الماضية عدم التركيز أو منح الأولوية لجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها عن غزة وحماس.
ومنذ هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، منحت إدارة جو بايدن الأولوية لجمع المعلومات الأمنية عن الأزمات الأجنبية الأخرى، بما فيها النزاع بين “إسرائيل” وحزب الله، والحرب في أوكرانيا، والتهديدات القادمة من الصين.
وعلق نورمان رول، مدير الأمن القومي السابق لبرنامج إيران والمستشار السابق لمشروع مواجهة التطرف قوله: “المجتمع الاستخباراتي ضخم وكذا الأولويات التي كلف بها فريقه”، مضيفا أنه “في غياب مطالب صناع السياسة، يحرك النظام مصادره ونوجه شركاءنا لأهداف يعتقد أنها مهمة لصناع السياسة”.
واعتمدت”بوليتيكو” على أربعة مسؤولين أمريكيين بارزين حاليين وسابقين، وثلاثة أعضاء في الكونغرس ومساعدين فيه لغرض هذا التقرير.
وقد أدت “النقطة العمياء” حول غزة إلى تدقيق مباشر في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي إحاطات، أخبر المسؤولون الاستخباراتيون المشرعين في الكونغرس بأنهم ذهلوا مما قامت به حماس، وقد استغرق التخطيط للهجوم أشهرا إن لم يكن سنوات، وهو من أكثر الهجمات فتكا منذ هجمات 9/11. وقد ضغط أعضاء الكونغرس البارزين على المسؤولين الاستخباراتيين وطالبوهم بإجابات:
هل تلقت الولايات المتحدة تحذيرات؟ وكيف فات الهجوم على “إسرائيل”؟
ولم يكن لدى المسؤولين الاستخباراتيين أجوبة مريحة للمشرعين، فقد اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على “إسرائيل” لتزويدها بمعلومات من داخل غزة، وفشل الإسرائيليون بالتعامل وبجدية مع التحذيرات الداخلية.
وقد كشفت الهجمات فجوة مهمة في المعلومات المتوفرة عن غزة وفهم حماس بشكل عام، ما أدى إلى جهود واسعة لجمع المعلومات عن القطاع. وقامت الوكالات الاستخباراتية وعلى مدى العام الماضي بجهود لجمع المعلومات الاستخباراتية عن غزة وحماس، حيث نشرت المسيرات والأقمار الصناعية وأجهزة الرقابة مثل الرادارات بهدف فهم أساليب حماس العسكرية، وكل هذا أسهم في مساعدة “إسرائيل” على تحديد مواقع حماس في غزة.
وتعلق المجلة بأن الفجوات في المعلومات الاستخباراتية عن غزة ستعقد من جهود الإدارة الأمريكية التوصل إلى صيغة تسهم في وقف إطلاق النار.
ولا يعرف أين تكمن نقاط الضعف الأمريكية، إلا أن المحاولات بشأن صفقة إطلاق سراح الأسرى لدى “حماس” ووقف إطلاق النار التي اقترحتها الولايات المتحدة كشفت عن عدم الوضوح.
وفي مناسبات عديدة، زعمت إدارة بايدن أن “حماس” قبلت الاقتراح، لكن الجماعة خرجت ورفضته صراحة، وقد حدث نفس الشيء مع “إسرائيل”. ويقول ميكي بيرغمان، الخبير في المفاوضات الدولية للرهائن والمدير التنفيذي لـ”غلوبال ريتش”: “عندما يتعلق الأمر بحماس، لو أسأنا التقدير في الكيفية التي يتفاوضون فيها (وقد أسأنا التقدير) فإننا سننتهي بصيغ غير مترابطة”.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أي وقت قريب، فإن جمع المعلومات الاستخبارية حول العمليات الداخلية للحركة سوف يكون ضروريا أيضا لمعرفة متى تصبح حماس ضعيفة بما يكفي بحيث تتمكن الولايات المتحدة ــ وما تأمله “إسرائيل” ــ من إعلان انتصار الحرب، كما يقول. وكما يعقد النزاع المتصاعد مع حزب الله من فرص وقف إطلاق النار، ذلك أن الحزب اللبناني ربط غاراته الصاروخية ضد “إسرائيل” بوقف الحرب في غزة. وليس من الواضح إن كان هناك تغير في تفكير الحزب بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضده.
ولم يعلق مجلس الأمن القومي ولا “سي آي إيه” ولا مدير الأمن الوطني على ما ورد في التقرير.
وقال مسؤولون وضباط استخباراتيون أمريكيون سابقون إن الولايات المتحدة بدأت تعتمد بشكل كبير على الإسرائيليين في جمع المعلومات الاستخباراتية عن غزة وحماس في أواخر التسعينيات من القرن الماضي عندما بدأت واشنطن في التعامل مع الفلسطينيين مباشرة على الجبهة السياسية. ومنذ ذلك الحين، كلفت الولايات المتحدة وحدات معينة بتتبع حماس والضفة الغربية وغزة، لكن هذه الوحدات غالبا ما كانت صغيرة مقارنة بتلك التي تغطي بلدانا وقضايا أخرى في المنطقة.
وطالما ملأت الولايات المتحدة الثغرات في المعلومات الاستخباراتية، إلا أن القصور بدا واضحا بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقال رول، المدير السابق للاستخبارات الوطنية لشؤون إيران: “أطلقنا على هذا “الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي’ وعلينا أن نوضح أنه أيضا فشل استخباراتي أمريكي”.
وتشير المجلة إلى أن الاستخبارات الأمريكية واجهت العديد من العقبات لجمع وتحليل المعلومات عن غزة، والمشكلة الكبرى هي أن القطاع معزول إلى حد كبير عن بقية العالم. ولهذا فالحصول على معلومات استخباراتية موثوقة من مصادر بشرية داخلها صعب. ويقول تيد سينغر، المسؤول السابق في “سي آي إيه” إنه ومنذ توقف الزيارات الرسمية الأمريكية إلى غزة عام 2003، فقد بات من المحتم أن يتضاءل الفهم الأمريكي للقطاع، و”لا شيء يعادل المصادر البشرية في ما يتعلق بجمع المعلومات الاستخبارية. كما أن تجنيد المصادر والتعامل معها في منطقة محظورة يمثل خطرا كبيرا، سواء من الناحية الجسدية أو من منظور مكافحة التجسس، وبالنسبة للضابط المسؤول أو العميل”.
وقد أصبح الوضع معقدا أكثر بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فقد حوصر القطاع تماما، ويجد الصحفيون وجماعات الإغاثة صعوبة بالدخول إليه، ما يجعل من تجنيد أرصدة بشرية وعملاء أمرا معقدا. وواجه المسؤولون والدبلوماسيون والعملاء الأمريكيون مشاكل في الدخول إلى غزة. وكثيرا ما يواجه الفلسطينيون مشاكل في الحصول على التصاريح التي تسمح لهم بمغادرة القطاع.
وفي غياب المعلومات الشاملة من المصادر البشرية ــ بما في ذلك في غزة وعواصم الشرق الأوسط الأخرى في المنطقة ــ اضطر المسؤولون الاستخباراتيون إلى اللجوء إلى مصادر أخرى لمحاولة فهم العمليات الداخلية لحماس. وفي الوقت الحالي، لا توجد تفاصيل واضحة حول التي الطريقة التي تجمع بها الولايات المتحدة حاليا المعلومات عن حماس، وهي غامضة في الحد الأدنى.
وبدون تقديم معلومات محددة، فقد تحدث المسؤولون والمشرعون بطريقة عامة عن كيفية جمع واشنطن المزيد من المعلومات داخل غزة.
وفي حين تمتلك إسرائيل برنامجها الخاص للأقمار الصناعية، إلا أن الأقمار الصناعية الأمريكية هي أكثر تطورا. فقد ساعدت الولايات المتحدة “إسرائيل” من خلال تبادل الصور من أقمارها الصناعية لمساعدة القوات الإسرائيلية على اكتشاف الأنفاق ومراكز القيادة الأخرى لحماس. وساعدت صور أقمارها في توجيه السياسة الأمريكية بشأن المساعدات الإنسانية وقضايا الوصول داخل غزة. وتستخدم الولايات المتحدة مسيراتها لجمع معلومات استخباراتية مماثلة.
وليس من الواضح المدى الذي تعتمد فيه الولايات المتحدة على سلطة التجسس الرقمي، والفقرة 702 من قانون الرقابة الاستخباراتية الأجنبية، لجمع المعلومات عن غزة. ويسمح هذا القانون لوكالات الاستخبارات الأمريكية بقراءة الرسائل الإلكترونية وغيرها من الاتصالات الإلكترونية للأجانب في الخارج. ومن المرجح أن الولايات المتحدة تستخدم هذه السلطة بطريقة ما، كما قال مسؤولون سابقون.
وفي السنوات الأخيرة، ابتعد قادة الجماعات التي تدعمها إيران، بما فيها حماس، إلى حد كبير عن الهواتف المحمولة واستخدموا بدلا من ذلك أجهزة “بيجر” وأشكالا أخرى من الاتصالات، مثل أجهزة “ووكي توكي” في محاولة لتجنب المراقبة الأمريكية. وأضاف مسؤولون حاليون وسابقون أن الولايات المتحدة تستخدم المصادر المفتوحة من أجل تحليلها أمنيا، بما فيها التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة وكذلك الصحفيين المحليين. وفي حين يرى البعض في مجتمع الاستخبارات أن مثل هذه المعلومات أقل موثوقية، يزعم آخرون أنها ضرورية لفهم الوضع على الأرض في غزة اليوم.
وفي الأيام التي أعقبت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر دفع مشرعون الإدارة بالتوقف عن الاعتماد على الإسرائيليين لجمع المعلومات عن غزة. وكان هناك قلق عظيم في أروقة الكونغرس، وبخاصة لجان الاستخبارات من الحاجة الملحة لإصلاح الوضع وزيادة الفهم الأمريكي لما يجري على الأرض.
وبالنسبة لبعض المشرعين فإنه لم يعد هناك مجال للثقة بالإسرائيليين، على الأقل فيما يتعلق بحماس. وقد حث نفس المشرعين المجتمع الاستخباراتي على تقديم إحاطات مستمرة عن النزاع وضغطوا على مسؤولي الاستخبارات للحصول على معلومات حول ما تجمعه الولايات المتحدة بالضبط عن غزة وكيف يستخدمه صناع السياسات.
ولا تزال تفاصيل النقاشات داخل المجتمع الأمني قليلة، وما هو واضح أن وكالات الاستخبارات الأمريكية، وسعت من التشارك الأمني مع “إسرائيل”، هذا إلى جانب زيادة جهودها الخاصة لجمع المعلومات عن حماس وغزة.