جنرال إسرائيلي يدعو لتغيير إستراتيجية العمل ضد إيران قبل فوات الأوان
دعا الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، ومدير عام وزارة الشؤون الإستراتيجية، الجنرال في الاحتياط يوسي كوبرفاسر، إسرائيل لتغيير إستراتيجية عملها مقابل إيران، قبل فوات الأوان. وقدّمَ سلّة نصائح للوصول إلى ذلك.
وقال يوسي كوبرفاسر، في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية، إن تصريحات وزير الأمن غالانت، ورئيس الموساد بارنياع، بشأن تعاظم قوّة إيران و”حزب الله” في لبنان، ومُحاولاتهما المتكرّرة تنفيذ عمليّات ضد إسرائيليين ويهود في العالم، منذ بداية العام، مقلقة جداً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحليل بارنياع الدقيق بشأن إشكالية المحاولات غير الجدية من جانب الولايات المتحدة لتأجيل اندفاع إيران إلى السلاح النووي، واستعدادها لدفع ثمن كبير، وتخوّفه من استعداد روسيا لمنح طهران قدرات عسكرية تهدّد وجود إسرائيل مُقابل المساعدة العسكرية الإيرانية لموسكو في الحرب الأوكرانية.
ومع ذلك، يرى يوسي كوبرفاسر أن هذا كلّه ليس سوى جزء من الصورة الشاملة لخطورة التحدّي الذي تطرحه الآن إيران أمام إسرائيل، ويعلل ذلك بالقول: “عملياً، تستمر إيران، خلال الأشهر الأخيرة، في التمركز كدولة على عتبة النووي، وتحسّن مكانتها الإقليمية والدولية، وقدراتها العسكرية، وتعمّق تدخّلها بتعزيز “الإرهاب” الفلسطيني عبر تقوية الفصائل “المتطرّفة” التابعة لها، والمنتشرة حول إسرائيل، وذلك بهدف الدفع بمعركة متعدّدة الجبهات، بالإضافة إلى أنها تتعامل بنجاح نسبياً مع التحديات الداخلية والخارجية والصعوبات الاقتصادية.
ويرى أن الانعكاسات البارزة لهذه الإنجازات الإيرانية تتمثل بدعوة إيران لأن تكون جزءاً من قمة دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن تحرير خمسة أميركيين كانوا معتقلين بتهم زائفة في إيران، مُقابل تحرير بضعة معتقلين إيرانيين في الولايات المتحدة، وتحويل 6 مليارات دولار كانوا قيد التجميد في كوريا الجنوبية إلى إيران.
ويمضي المراقب الإسرائيلي في تصوير المكاسب الإيرانية: “عملياً، المبلغ الذي تم تحويله إلى إيران أكبر بكثير، إذ وافقت الولايات المتحدة، كما يبدو، على نقل بضعة مليارات من الدولارات إلى إيران من العراق أيضاً. صحيح أن الأموال من كوريا الجنوبية مخصصة لتمويل مشاريع إنسانية، لكنها أموال سيستعملها النظام المتطرّف في إيران ليس فقط من أجل تعزيز مكانته داخلياً، بل أيضاً لمساعدة التنظيمات التي يرعاها أيضاً في الشرق الأوسط، وتُهدّد إسرائيل مُباشرةً”.
التفاهمات مع أمريكا
أمّا الاتفاق مع الولايات المتحدة فيبدو، برأيه، جزءاً فقط من التفاهمات الأوسع في المجال النووي التي يتم تطبيقها من دون اتفاق رسمي بشأنها. وبحسبها، فإن واشنطن تمتنع عن زيادة الضغوط على طهران عبر العقوبات، وأيضاً التهديدات بتفعيل القوة العسكرية ضدها في حال قامت بتخصيب يورانيوم إلى مستويات عسكرية، وذلك في مقابل التزام إيراني بعدم التخصيب إلى هذه المستويات، وتقليل وتيرة زيادة كمية اليورانيوم المخصّب إلى مستوى 60%.
ويرى يوسي كوبرفاسر أن الولايات المتحدة تتجنب، كما يبدو، تشجيع دول غرب أوروبا الشريكة في الاتفاق النووي على تفعيل العقوبات من جديد على إيران، وهذه ستنتهي صلاحيتها في مطلع 2026، بالإضافة إلى إزالة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على منظومة الصواريخ الإيرانية، التي تنتهي يوم 18 تشرين أول/ أكتوبر هذا العام. ويقول يوسي كوبرفاسر إنه رغم ذلك، فقد أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنها ستستمر في فرض عقوبات إلى حين التزام إيران بما تم الاتفاق عليه، وقد دعمت الولايات المتحدة أهدافاً محدّدة كهذه، في الوقت الذي ردّت فيه إيران بصورة حادة، حتى أنها أعلنت طردَ ثلث المراقبين في مفاعلاتها.
اليورانيوم المخصّب
يرجح يوسي كوبرفاسر أنه في كل الأحوال فإن إيران، وفي إطار هذه التفاهمات، قد قلّلت من وتيرة مراكمة اليورانيوم المُخصّب إلى مستوى 60%، لكنها جمعت حتّى الآن أكثر من 121 كيلوغراماً من المواد المخصّبة بهذا المستوى، وهي كمية تسمح لها بالحصول على مواد مخصّبة لمستوى عسكري تكفي لـثلاث مفاعلات نووية خلال أسابيع معدودة. وفي المقابل، رفعت من وتيرة تصنيع اليورانيوم المخصّب إلى مستوى 20% (لديها أكثر من 535 كليوغراماً)، وهو ما يمكن تخصيبه إلى مستوى عسكري أيضاً خلال وقت قصير، عن طريق استعمال أجهزة الطرد المتطوّرة التي تشغلها إيران، وبذلك تستطيع الحصول على مواد مخصّبة لستة مفاعلات نووية عسكرية. هذا بالإضافة إلى أنها لا تزال تمنع الرقابة على عمليّاتها في المجال النووي، وترفض منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات عن المفاعلات التي وُجدت فيها دلائل على أعمال نووية لم تُبلّغ عنها بتاتاً، من دون أي خطوات ضدها.
ضربة إسرائيلية وأمريكية
وطبقاً ليوسي كوبرفاسر، فإنه في نهاية المطاف، وفي مقابل استعداد إيران لتأجيل الاندفاع إلى النووي العسكري، وهو ما تمتنع عن القيام به بسبب تخوّفها إمّا من ضربة إسرائيلية أو أميركية خلال الفترة الانتقالية بين اتخاذ القرار والوصول إلى السلاح النووي، وإمّا لأن الوضع الحالي يخدم مصلحتها، ولأن مكانتها آخذة في التحسّن، إذ حصلت إيران على موافقة صامتة وقبول دولي بمكانتها كدولة على عتبة النووي.
ويمضي المراقب الإسرائيلي في تقديراته وتحذيراته: “الآن، هدفها المركزي لن يكون الاستمرار في مراكمة اليورانيوم إلى مستويات عالية، إنما إنشاء الأوضاع التي تسمح لها بتقليل الوقت المطلوب لتحويل اليورانيوم المخصب إلى المفاعلات النووية العسكرية، حيث يمكن تركيبه على الصواريخ التي تملكها. وعن احتمالات ذلك مستقبل يضيف: “هذا الهدف سيكون ممكناً إذا تجاهلت روسيا نقل تكنولوجيا متطوّرة إلى إيران. وفي هذا السياق، فإن المساهمة الروسية التي ألمح إليها رئيس الموساد يمكن أن تكون منظومات دفاع جوي متطوّرة تحسّن من قدرات إيران في الدفاع عن مشروعها النووي في مواجهة ضربة، أو الحصول على قدرات جوية متطوّرة، وهو ما تُريده إيران منذ وقت طويل”.
المكانة الإقليمية
أمّا في كُل ما يخص ترسيخ مكانة إيران الإقليمية وزيادة الضغط على إسرائيل، فيشير يوسي كوبرفاسر لمحاولات إيران تهريب أدوات قتالية متطوّرة إلى الضفة الغربية ولبنان لمصلحة منظّمات “الإرهابيين” الذين تحت وصايتها وتساعدهم، وعلى رأسهم “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وذلك عبر زيادة العمليات “الإرهابية”، وزيادة تدخّل إيران عبر تقوية العلاقات بين “حزب الله” وهذه الفصائل. وفي هذا السياق، زار مسؤولون كبار إيرانيون، وبينهم وزير الخارجية الإيراني، وقائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، سوريا ولبنان، والتقوا رؤساء هذه الفصائل. هذا بالإضافة إلى أن إيران تعزز من علاقاتها مع الصين وروسيا، إذ تزوّد الأخيرة بأسلحة من أجل الحرب في أوكرانيا، ومع دول الشرق الأوسط (وضمنها السعودية)، وفي أميركا الجنوبية وأيضاً أفريقيا. كما يشير إلى أن إيران تستمر، في الوقت نفسه، في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية التي ستتصاعد مع مرور عام على مقتل الناشطة مهسا أميني، الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات الحجاب، والنظام يتجهّز لقمع التضامن مع الاحتجاجات.
العلاقات مع الخليج
كما أن العلاقات مع دول الخليج أيضاً، وعلى رأسها السعودية برأي يوسي كوبرفاسر، قد تحسنت خلال الأشهر الأخيرة، لكنها لا تخلو من الصعوبات، وهو ما برز في قرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب ودول التعاون الخليجي. ويقول إنه في هذه القرارات، برزت معارضة تدخّل إيران في الشأن العربي الداخلي، وجرت إدانة استمرار “الاحتلال الإيراني” لثلاث جزر تدعي الإمارات أنها لها، وجرى التشديد على أن السيطرة على حقل الدرة النفطي، الذي تدّعي إيران ملكيتها عليه جزئياً، يجب أن تبقى في يد الكويت والسعودية، كما عبّر وزراء الخارجية العرب عن رفضهم التدخّل الإيراني في الصراع بين الأسرى والنظام في البحرين.
ردع إيران بأفعال لا بأقوال
وفي الاستنتاجات يرى يوسي كوبرفاسر أنه بسبب التحدي الإيراني المتزايد، تتزايد أهمية صوغ سياسة إسرائيلية فاعلة لوقفه، إذ إن التصريحات الأخيرة، وأيضاً لقاء نتنياهو- بايدن، جزء منها، ويجب على هذه السياسة أن تتضمن المركّبات التالية:
إيضاح حجم خطورة الوضع للجمهور المستهدف، وعلى رأسهم الإدارة الأميركية، وأيضاً الدول الغربية، والدول العربية الشريكة في القلق من التهديد الإيراني، وروسيا والصين، والجمهور الإسرائيلي والرأي العام الدولي.
التحضير للعمل وترسيخ الردع الإسرائيلي (والأميركي) في مواجهة إيران: التهديدات التي صدرت عن المسؤولين في أجهزة الأمن مهمة، لكن النجاح في إحباط المبادرات “الإرهابية” والعمليات الإيرانية الأُخرى، والتدّرب على عمل ضد إيران، وخصوصاً حين يكون بالتعاون مع جيش الولايات المتحدة، أهم بكثير. استمرار إسرائيل في معاظمة قوّتها، والاستعداد الأميركي لمنح إسرائيل أدوات قتالية تحسن من قدراتها يمكن أن يكبح إيران ومسعاها النووي، يوضح أن الولايات المتحدة ملتزمة العمل عسكرياً لتحقيق ذلك. هذا ما سيساهم أكثر لزيادة الردع الإسرائيلي وقدرات العمل، إن كانت في حاجة إلى ذلك.
زيادة الجهود الدبلوماسية في جميع الجبهات؛ الدفع بالتطبيع مع السعودية وتحسين العلاقات مع الدول القلقة من إيران، وعلى رأسها الدول التي لدى إسرائيل اتفاقيات معها، وزيادة حدّة الرسائل الموجهة إلى دول أوروبا بشأن ضرورة تفعيل جميع القدرات التي لديها من أجل وقف زيادة قوة إيران، وضمنه في سياق الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى استغلال العلاقات مع الصين وروسيا من أجل تقليص المساعدة العسكرية التي تُمنح لإيران في المجالات التي تهدد إسرائيل.
تشجيع الشعب الإيراني على الاحتجاج ضد النظام، عبر التركيز على الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها إيران بعد تغيير قيادتها وسياستها.
زيادة العمليات السرّية لوقف مراكمة القوة الإيرانية والتنظيمات التابعة لها. ويخلص يوسي كوبرفاسر للقول إن إسرائيل تعمل في جميع هذه المجالات، وعملياً تُدير معركة متعددة الأبعاد ضد إيران، منذ وقت طويل، وإنه لدى الطرفين إنجازات في هذه المعركة. وفي المجمل، فإن الميزان يميل لمصلحة إيران منذ دخول إدارة بايدن البيتَ الأبيض، وذلك بسبب امتناع الإدارة من مواجهة النظام في طهران. ويرى أن معنى هذا أنه يجب على إسرائيل أن تعتمد على نفسها أكثر، وأن تعمل بنشاط أكبر في المجالات التي تم ذكرها سابقاً، والامتناع عن أن تبدو ضعيفة في مقابل إيران وأذرعها، وأن تأخذ في حسابها خطوات إضافية يمكنها أن تحسّن من الميزان لمصلحتها (تدفيع إيران الثمن، واتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة في السياق الإيراني، هما جزء من الأفكار المطروحة). ومن الواضح أيضاً أن اللقاء بين رئيس الولايات المتحدة ورئيس الحكومة، غداً الأربعاء، سيكون مهماً جداً من أجل الدفع بهذه الاتجاهات جميعها.
ويشير لوجود عدد كبير من المحللين الأمنيين الذين يستحضرون التهديد الإيراني كحجة تفرض المصالحة الداخلية، أو إيجاد مخرج للصراع المؤلم الداخلي المقلق بحد ذاته، وهو من جهته يضيف: “أنا أتفق كلّياً مع ضرورة التوافق الواسع، وإيجاد مخرج من الأزمة الداخلية، لكن علينا أن نتعامل مع التهديد الإيراني من دون أن يكون للنقاش الداخلي علاقة بالأمر، وأن نتجنّد جميعاً للوقوف ضده، حتّى لو لم نصل إلى تسوية. من يربط بين الاثنين يريد تقوية الردع، لكن من دون قصد، فهو يمكن أن يضعفه”.