دعوات في “إسرائيل” لتقسيمها إلى “مملكتين”.. تفاصيل الخطة وتأثيرها الكارثي على الفلسطينيين
ظهرت دعوات جديدة خلال الأسابيع الأخيرة لتقسيم إسرائيل إلى قسمين؛ علمانية ودينية، على خلفية التوترات المتزايدة بين الكتل السياسية، في وقت يتواصل فيه مسلسل الاستقطاب الإسرائيلي الداخلي على خلفية أزمة التعديلات القضائية الجاري تنفيذها من حكومة اليمين وتصفها المعارضة بـ”الانقلاب القانوني”.
وظهر أحد من يحاولون للترويج لخطة التقسيم هذه، وهو نيتسان عاميت من مستوطنة جفعتايم، خريج المدرسة العسكرية الداخلية للقيادة، والضابط في سلاح المظليين، وأحد نشطاء حزب “يوجد مستقبل” المعارض، وهو مؤسس “حركة الانفصال” التي صاغت خطة من عدة خطوات للانفصال بين اليهود بـ”التراضي”.
ويقول عاميت إنه توصل إلى نتيجة مفادها أن “دولة إسرائيل تسير نحو الهاوية”، وأن ما يحدث اليوم في المجتمع الإسرائيلي هو حالة من التمزّق الكامل، وأن الحلّ يتم بالفصل إلى دولتين: واحدة ليبرالية تفصل بين الدين والدولة، وأخرى ذات طبيعة دينية.
ويرى مؤيدو هذا الطرح أنه فرصة لمنح الجمهور الإسرائيلي بمختلف تلاوينه الدينية ومرجعياته الأيديولوجية فرصة الحفاظ على أسلوب حياته دون خوف من الجمهور الآخر.
حركة الانفصال إلى “مملكتين”
وظهر مؤخراً تأييد لهذا الطرح، بأنه لا مفرّ من تقسيم الأرض إلى مملكتي “إسرائيل الجديدة” و”دولة يهوذا”، إما عبر كانتونات أو فيدرالية، أو وسائل أخرى.
وكشف استطلاع أُجري في مايو/أيار أن 23% من الإسرائيليين يؤيدون الانفصال بين المتدينين والليبراليين، وسط توقعات بعد الموافقة على “حجة المعقولية” في الكنيست قبل أيام، أن تستمر النسبة بالارتفاع، مع أن المتدينين الحريديم يتمتعون باستقلالية كاملة داخل الدولة منذ 75 عاماً، ودون تدخل المؤسسات الحكومية.
ويمنع قانون “حجة المعقولية” المحاكم الإسرائيلية، بما فيها المحكمة العليا، من تطبيق ما يعرف باسم “معيار المعقولية” على القرارات التي يتخذها المسؤولون المنتخبون.
وفي 2004، أعلنت عناصر يمينية الانفصال عن دولة إسرائيل، وإقامة دولة يهوذا، حتى إن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة اقترح في 2011 تقسيم مدينة بيت شيمش إلى سلطتين منفصلتين: علمانية ليبرالية وأرثوذكسية متشددة؛ على خلفية التوترات التي حدثت حينها.
تقسيمات جغرافية
وفق التقسيم الجغرافي لخطة التقسيم، فإن “إسرائيل الجديدة” العلمانية الليبرالية تشمل قرابة 5 ملايين ونصف نسمة، بينهم ما يزيد عن مليون فلسطيني، وتشمل مدنها الرئيسية مرتفعات الجولان والجليل الأعلى ومعظم مدن السهل الساحلي: تل أبيب، حيفا، ريشون لتسيون، نتانيا، رمات غان.
أما “مملكة يهوذا” الدينية المحافظة، فتشمل 3 ملايين و800 ألف نسمة، بينهم قرابة 800 ألف فلسطيني، وتشمل مدنها الرئيسية: القدس، بتاح تكفا، بني براك، وبئر السبع، وأسدود، وعسقلان.
في التفاصيل، فإن خطة تقسيم إسرائيل تتضمن 5 مراحل، أولها إقامة تحالف للمدن الليبرالية من أجل توحيدها تحت مظلة واحدة، وإنشاء هيئة إدارية وتشريعية تلزم أعضاءها بسياسة معينة؛ واعتراف الكنيست القانوني بسلطة البرلمان للتنظيم الليبرالي كهيئة تشريعية ثانوية؛ وثانيها إنشاء كانتونات إقليمية مع برلمان محلي وحكومة إقليمية، واستقلال شبه كامل في أمور السياسة الداخلية، وثالثها الانقسام إلى دولتين، ورابعها الوصول إلى فصل كامل، عندما تكون كل منطقة قادرة على تحديد الدولة التي تنتمي إليها.
أكثر من ذلك، فإن “كل منطقة سيكون لها دستورها وقواعدها الخاصة، وستعيش الدولتان في سلام مع بعضهما مع تحالف دفاعي بينهما، وستفتح الحدود على غرار الولايات المتحدة، بحيث تكون إسرائيل في هذه الحالة فيدرالية، وليست مركزية، لأن المركزية تخلق انقسامات في المجتمع، بالتالي في منطقة الجليل، حيث يوجد تركيز سكاني أعلى للفلسطينيين، سينشأ نوع من الحكم الذاتي، والتعامل مع الجميع بذات الدستور”، وفق خطة عاميت.
اتساع الانقسام داخل إسرائيل
يتوافق الإسرائيليون على أن مجتمعهم منقسم إلى عدة أقسام رئيسية: أيديولوجية بين الديني والعلماني، وطائفية بين الأشكناز والسفارديم، وسياسية بين اليمين واليسار، وطبقية بين الأغنياء والفقراء، وجغرافية بين المركز والأطراف، وانقسام يفصل الصهاينة المتدينين عن الأرثوذكس المتطرفين، رغم أن السنوات الأخيرة شهدت تضاعفاً لهذه الفئات المختلفة، و”تكاثراً” في حجم الانقسامات وعددها، وزيادة شعورها بعدم المساواة بينها.
لم يعد سراً أن خطورة الانقسامات في اسرائيل آخذة بالازدياد، فبعضها يتداخل، ويحتوي على تصدّعات أخرى، رغم أن الانقسام بين الديني والعلماني هو الأكثر حدّة وتأثيراً، إذ أظهر آخر استطلاع حول التماسك الاجتماعي أن 81% من الإسرائيليين يعتقدون أن المجتمع أكثر انقساماً، وأنه آخذ بالاتساع، مقارنة مع 69% اعتقدوا ذلك قبل أربع سنوات.
بحسب الاستطلاع ذاته، فإن 70% لا يعتقدون أن الحريديم جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيلي.
يظهر واقع اجتماعي صعب ومُشكِل بين الإسرائيليين، فلم تعد الخدمة العسكرية تحظى بموافقة كاملة من الجمهور الإسرائيلي، ولا يرى الإسرائيليون أنفسهم ملزمين بالتجنُّد في الجيش، بل إن هناك مؤسسات تعمل علنياً ضد الجيش وجنوده.
في الحديث عن قوانين الدولتين الإسرائيليتين: الليبرالية والدينية، يظهر اليوم أن نسبة كبيرة من اليهود لا يتزوجون عبر عقود الحاخامات، وتسمح المجالس المحلية بالمواصلات العامة أيام السبت؛ والعديد من المطاعم تتجاهل شهادة الطعام الحلال “الكوشير”، ما بعد مؤشراً على أن الفصل موجود بالفعل داخلياً اقتصادياً وثقافياً وأيديولوجياً.
ويزعم مروجو هذه الخطة أن إنشاء مملكتين داخل إسرائيل قد يؤدي إلى تحقيق ميزة كبيرة، فإذا اعترفت الأمم المتحدة بهما، فسيكون للشعب اليهودي إصبعان سيصوّتان في الأمم المتحدة، وليس إصبعاً واحداً فقط كما في السنوات الـ75 الماضية.
على الصعيد التطبيقي، فيمكن أن تستند الفكرة لمقاطعات كانتونات كما سويسرا، أو كالولايات المتحدة، أو استقلال اسكتلندا داخل المملكة المتحدة، وسيتم تنفيذها على أساس المدن والمجالس المحلية الإقليمية.
أبرز داعمي تقسيم إسرائيل
عدد من الكتابات الإسرائيلية سعت للتنظير لهذه الخطة منذ سنوات، منهم يوفال كارنييل ونوام مينيلا في مقال “الاستقلال الاقتصادي لتحالف السلطات الليبرالية”، وكتاب شاغي إلباز “من القبيلة إلى الفيدرالية: الطريق إلى شفاء المجتمع الإسرائيلي”.
بالإضافة إلى الكاتبة الصحفية عيريت لينور، في حين أن غالبية المؤيدين من ناشطي الأحزاب اليسارية والعلمانية، وسط خشية سياسيين داعمين لهذه الحركة من الإعلان عن موقفهم علناً خوفاً من اتهامهم بالتسبب بتقسيم إسرائيل، بحسب الحركة ذاتها التي تقول إن هناك سياسيين يدعمونها.
يبدو لافتاً أن ردود الفعل التي تلقتها الحركة الإسرائيلية الداعية للانقسام حول برنامجها التقسيمي مثيرة للانتباه، فقد زعمت أن هناك “قفزة مجنونة” في عدد المتابعين لصفحاتها على شبكات التواصل، ومعظم اليهود الذين سمعوا عن البرنامج داعمون للغاية.
وتلقت هذه الحركة مئات الرسائل من إسرائيليين يريدون التطوع والتبرع، ويقولون إنهم انتظروا هذا الأمر، واتصل بهم عدد من قادة الرأي العام المهتمين جداً بالنموذج، بما في ذلك كبار المسؤولين في الاقتصاد، وفق قولها.
وكان من اللافت أنه بعد مصادقة الكنيست الأسبوع الماضي على بند حجة المعقولية، كأحد بنود الانقلاب القانوني، تضاعف عدد المشاركين في الخطة تقسيم إسرائيل ثلاث مرات في يوم واحد فقط، وبات عدد أعضائها في ازدياد لافت بالمئات مع كل ساعة تمرّ، وفريق عملها يعمل بكامل طاقته للترويج لأجندتها.
وتسعى الحركة حالياً من خلال عدة قنوات للتقدم سياسياً، والتواصل اللوجستي، بما فيها جمع الأموال بطريقة منظمة، لأن ميزانيتها اليوم هي “صفر” شيكل.
ورغم أن الحركة موجودة منذ عدة أسابيع فقط، لكن الآلاف من الإسرائيليين يواصلون الانضمام إليها، وهي بصدد بناء خطة عمل تشمل المؤتمرات، وتجنيد النشطاء، ومناشدات لعامة الناس وصناع القرار.
إذ قفز عدد أعضائها إلى أكثر من 42 ألفاً، في حين أن توقيت الإعلان عن تأسيس هذه الحركة جاء مواتياً للانقسام في إسرائيل، وسط انتشار مستويات غير مسبوقة من شعور الإسرائيليين باليأس والإحباط، وهم يرون “الانقلاب القضائي” يتقدم، وحالة “التديين” تتسلل إلى أنظمة التعليم والصحة والقضاء والجيش.
في الوقت ذاته، فإن الخطة التي لقيت رواجاً إسرائيلياً واسعاً تجد من يعارضها، ويعتبرها سحراً زائفاً وهمياً، باعتبار كلمة “فصل” بين الإسرائيليين بمثابة تعويذة قديمة، وتمثل التوق إلى الفوضى، وتشتيت الوجود الإسرائيلي، حتى لو تضمنت إقامة جدران فاصلة بين المملكتين، أو فصلت الدين عن الدولة، والرجال عن النساء.
ومن يفهم الواقع الإسرائيلي جيداً، وفق المعارضين، يرى أنه لا يوجد جدار فاصل مطلقاً، ولا توجد طريقة حقيقية، يميناً أو يساراً، للانفصال التام، لأنه رغم الفصل القانوني، فإن تقسيم إسرائيل بسهولة إلى كيانين، وبهذه الطريقة، لن تحلّ التوترات القائمة اليوم، لأن هذه الخطة، محاولة لتقسيم الوجود اليهودي الإسرائيلي إلى قسمين، بصورة قسرية، كما يروج الرافضون للخطة.
مسوغات الترويج للخطة
وفي استحضار المبررات والمسوغات لترويج هذه الخطة تقسيم إسرائيل، تشير الاتجاهات الديموغرافية والاجتماعية، بحسب الصحيفة ذاتها، إلى أن الفروق بين الإسرائيليين جميعاً ستزداد في السنوات المقبلة، والتوقع أن الشقاق في أوساطهم سيتضاعف فقط، وهناك خطر من اندلاع حرب أهلية، ومن أجل تمكين الدولة من الاستمرار، وتجنب حرب الأشقاء، يرى أصحاب الخطة ضرورة أن يتفرقوا، حتى تتمكن كل فئة من العيش وفقاً لقيمها، وما تمليه عليها مبادئها.
وكما أن الموضوع الأمني هو الشغل الشاغل لإسرائيل حالياً، فسيكون كذلك الأمر عند تقسيمها لمملكتين، إذ يتحدث أصحاب الخطة عن الحاجة لتحالف دفاعي بينهما على غرار حلف الناتو، فإذا هاجمت دولة ما “دولة يهوذا”، فإن “إسرائيل الجديدة” ستساعدها، والعكس صحيح أيضاً، رغم أن هناك مشكلة تتعلق بأن المجتمع الدولي لن يعترف بمملكة يهوذا، لأن أراضيها مقامة على الضفة الغربية المصنفة بأنها أراضٍ فلسطينية محتلة.
وعند الحديث عن مستقبل الجيش، تقترح الخطة تقسيم إسرائيل توزيع وحداته القتالية وألويته العسكرية بين المملكتين، أما المفاعل النووي في ديمونا، فتقترح الخطة التوصل إلى اتفاق مسبق بشأن استخدامه، أو عدمه، بزعم أنه ملك للدولتين.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه اليهود اليوم يجدون صعوبة بالحفاظ على مجتمع موحّد داخل إسرائيل، فإن أصحاب الفكرة لا يترددون في الحديث عن أوجه قصور تحيط بخطتهم لتقسيم إسرائيل، أولها ضرورة الحصول على موافقة الطرفين اليهوديين في هذا الشأن، فهناك العديد منهم لا يهتمون بحدوث هذا التقسيم، ويجدون صعوبة معه.
قصور ثانٍ يحيط بالخطة، يتعلق بالكثافة السكانية في دولة “إسرائيل الجديدة”، فمن المتوقع أن يعيش الإسرائيليون هناك أكثر من “دولة يهوذا” التي ستسيطر على مساحة أكبر، وستكون هذه دولة كثيفة نسبياً، وقد يظهر الأمر وكأن الخطة تنقل فجأة كثيراً من اليهود من النقب إلى تل أبيب، مع أن الكثافة ليست بالضرورة أمراً سيئاً، على الأقل وفق أصحاب الخطة، فهناك دول أكثر كثافة من إسرائيل تتمتع بمستوى معيشة أعلى مثل هولندا أو سنغافورة على سبيل المثال، لأنه ستظل هناك مساحات مفتوحة.
تغييب الفلسطينيين
رغم ما تحمله خطة تقسيم إسرائيل من دوافع وإغراءات، لكنها تحمل جوانب كارثية بسبب تأثيرها على الجمهور الفلسطيني، فهناك ملايين الفلسطينيين في الداخل المحتل الذين هم تحت قوة احتلال، وتبقيهم إسرائيل بدون حقوق مدنية، خاصة أن الخريطة المقترحة لتطبيق الخطة لا تحتوي على أي ذكر للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكلاهما يخضع لسيطرة “دولة يهوذا” الدينية.
حتى إن أي قارئ للخطة سيلاحظ أنها تعتبر الفلسطينيين غير موجودين على الإطلاق.
مع العلم أن تجاهل الفلسطينيين في الخطة لا يعكس موقفاً محايداً تجاههم، فالخطة تقسيم إسرائيل لا تهدف لحلّ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، بل حلّ الصراع الإسرائيلي-الإسرائيلي.
بحسب الخطة، فإن السيطرة على المناطق التي يقيم فيها الفلسطينيون ستنتقل إلى أيدي العناصر اليمينية الإسرائيلية الأكثر راديكالية ومسيحانية في المجتمع الإسرائيلي اليوم، خاصة في الضفة الغربية، حيث سيحصل المستوطنون على دعم أوسع بكثير لممارساتهم ضد الفلسطينيين، لأن الأغلبية المطلقة في دولة يهوذا ستدعمهم أيديولوجياً.
وسيتم إنشاء المزيد من المستوطنات، وستأتي بالضرورة على حساب البناء في البلدات الفلسطينية، وستستمر عمليات الإخلاء العنيفة للمنازل الفلسطينية، دون كبح للتطهير العرقي المستعر في غور الأردن وجنوب جبل الخليل وشرقي القدس، وستزداد أعمال عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وتصبح أكثر شراسة.
أما بالنسبة لقطاع غزة، فيظهر في الخطة أن تسيطر دولة يهوذا على مرور الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه، وسيتعين عليها التعامل مع التهديدات الصاروخية، بالقوة، وسيشدد الحصار على غزة، وسيزداد إطلاق النار على المتظاهرين، وتتكثف العمليات العسكرية.
عربي بوست