ديفيد هيرست: كيف يمكن للسياسة البريطانية بالدفع نحو انتفاضة ثالثة؟
تساءل محرر موقع “ميدل إيست آي” ديفيد هيرست عن الطريقة التي يمكن أن تؤدي فيها السياسة البريطانية إلى انتفاضة ثالثة في المناطق الفلسطينية المحتلة. وقال إن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فرش البساط الأحمر لبنيامين نتنياهو حتى في ظل تهديدات الحكومة المتطرفة بمحو الفلسطينيين.
وأضاف هيرست “الرجل الذي وصل إلى بريطانيا يوم الجمعة ويزعم أنه زعيم حكومة إسرائيل، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا يسيطر على البلد”. مئات الآلاف من الناس بمن فيهم طيارون عسكريون ووحدات نخبة عسكروا في الشوارع ولعدة أسابيع احتجاجا على محاولات تحييد المحكمة العليا، وتم إغلاق الشوارع في معظم البلاد.
وأمس الخميس، قال نتنياهو في خطاب متلفز إنه سيواصل “الإصلاحات القضائية المسؤولة” في وقت حثت المعارضة أعضاء حزب الليكود على التمرد.
لكن السؤال الذي بقي في عقل الجميع: هل لا يزال نتنياهو مسيطرا على آخر معقل له، حزب الليكود؟”. لم يعد نتنياهو مسيطرا حتى على حكومته، فالرجل الذي يشغل منصب وزير الداخلية بتسلئيل سموتريتش، متفوق عنصري يهودي، ألقى خطابا في باريس زعم فيه أنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني.
وقال سموتريتش أكثر من هذا، وعلى المنصة حيث كان يقف خريطة اقترحت أن الأردن إلى جانب أجزاء من السعودية ولبنان ودول أخرى ليست موجودة ويجب أن تكون تحت السيطرة اليهودية.
وعندما التقى المسؤولون الإسرائيليون والعرب في العقبة الأردنية لنزع فتيل الأزمة في الضفة الغربية المحتلة في شباط/فبراير، قال سموتريتش إنه لا يعرف عما تم الحديث عنه في لقاء لم يكن له داع وإنه سيواصل بناء المستوطنات في كل يوم.
وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير “ما حدث في الأردن (لو حدث) يظل في الأردن”. وعندما التقى المسؤولون الإسرائيليون والفلسطينيون في مصر للتوافق على إجراءات قبل بداية شهر رمضان، أقر الكنيست تشريعا يسمح بإعادة فتح مستوطنات أخليت في الضفة الغربية عام 2005، ويمكن للمستوطنين الآن العودة إلى المناطق التي أخليت في الضفة الغربية المحتلة بقرار من رئيس الوزراء في حينه أرييل شارون.
سموتريتش وبن غفير ليسا مجرد وزيرين في حكومة بل كوزير للمالية يعتبر سموتريتش بمثابة المسؤول عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية.
وأضاف هيرست “تخيل لو قام وزير الخزانة البريطانية جيرمي هانت بالتعليق على اجتماع عقد في ويندسور بين رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والاتحاد الأوروبي حول شمال إيرلندا، وقال إن الإيرلنديين ليسوا موجودين وزعم أن إيرلندا جزء من الجزر البريطانية. وهو ما يحدث الآن في إسرائيل.
وقال هيرست إن الخريطة التي عرضها سموتريتش على المنصة مأخوذة من رمز لمنظمة صهيونية إرهابية وهي “إرغون” التي تورطت في أكثر من مذبحة عام 1948، بما فيها مذبحة دير ياسين التي قتل فيها 107 فلسطينيين على الأقل. وقال زعيم “إرغون”، بن زيون كوهين، مرة إنه لو كانت هناك ثلاث أو أربع مذابح مثل دير ياسين لم تكن هناك مشكلة فلسطينية.
وبعد الهجوم الأخير على بلدة حوارة التي وصفها العسكري في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يوسي فوتش، بالمذبحة، قال سموتريتش إنه يريد رؤية البلد ممسوحة عن وجه الأرض. وكان اعتراضه الوحيد على الهجوم الذي نفذه المستوطنون هو أن الدولة هي من كان يجب أن تقوم به بدلا منهم.
ومهما كان مصير نتنياهو، فقد تمت إزالة ما تبقى من قيود قانونية مما منح سموتريتش والمستوطنين معه ورقة بيضاء للقيام بإبادة، ومزيد من الهجمات على البيوت الفلسطينية والقرى والبلدات.
ويعلق هيرست أن ما سبق شرحه هو سياق لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للندن، الذي لا يدعو وزارؤه إلى نكبة جديدة بل إلى طرد جماعي للفلسطينيين الذين يحاولون العيش في أراضيهم.
ولكن ما هو الرد البريطاني؟ فلندن ليست متفرجا على جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بشكل مفتوح وبدون ذرة من الخزي والحذر. وبريطانيا هي المسؤولة عن خلق دولة بغالبية يهودية وتحقيق البرنامج الصهيوني، ولا يوجد بلد يتحمل المسؤولية عن طرد وتدمير البيوت والمستوطنات غير الشرعية أكثر من القرار الذي أدى إلى خلق إسرائيل. يتحمل وزراء الخارجية الذين أصدروا وعد بلفور مسؤولية أخرى.
وقال هيرست “يعرف فلاديمير بوتين جيدا أن بريطانيا كانت على الجبهة الأولى لتزويد الدبابات والطائرات لأوكرانيا. ومثل سموتريتش الذي يزعم أن الفلسطينيين غير موجودين، فبوتين يزعم أن أوكرانيا ليست موجودة”.
وأضاف أن رد بريطانيا على جرائم الحرب المزعومة في أوكرانيا كان إحالة روسيا إلى محكمة الجنايات الدولية، التي قامت وبضغط بريطاني بإصدار بلاغ للقبض على بوتين. بينما كان رد بريطانيا على جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل هو معارضة تحقيق محكمة الجنايات الدولية فيها والتصويت ضد تحقيق في الأمم المتحدة حول جذور النزاع.
وبعد 75 عاما على النكبة لم تصدر محكمة الجنايات الدولية أي بلاغ للقبض على مسؤول إسرائيلي مع أنها فتحت تحقيقا في “الوضع بدولة فلسطين”.
وذهب سوناك إلى أبعد من سلفه بوريس جونسون، الذي صوت ضد تحقيق الجنائية الدولية. فمن أجل التعبيد لزيارة نتنياهو، التي كان على بريطانيا مقاطعتها، لو كانت تلتزم بالقانون الدولي، بالتوقيع على اتفاقية جسدت إفلات إسرائيل من النقد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، ورفض وصفها بدولة التمييز العنصري. مع أن المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالأراضي الفلسطينية، قال في تقرير له العام الماضي إن معاملة إسرائيل للفلسطينيين ينطبق عليها وصف دولة التمييز العنصري.
وتذهب سياسة بريطانيا الجديدة أبعد من تعريف تحالف ذكرى الهولوكوست في تعريفه لمعاداة السامية ويحمي إسرائيل من النقد المشروع. إنه قانون يقلب سياسات بريطانية مضى عليها عقود ويسمح لإسرائيل بأن تقرر أي مؤسسة في التعليم العالي يجب أن تكون جزءا من التعاون مع بريطانيا. ويفتح المجال أمام جامعة مستوطنة أرييل لأن تكون جزءا من التبادل الأكاديمي مع بريطانيا. ولم تذهب حتى أمريكا أو فرنسا وألمانيا إلى هذا الحد، وكلها ذكرت إسرائيل وإن بطريقة لطيفة بمخاطر الخروج عن المسار الديمقراطي. و”في بريطانيا لدينا عادة بأن نغدق المديح للديمقراطية الإسرائيلية في كل منعطف، مع أن قطاعا كبيرا من سكانها مسلح ويقود حكومتها الفاشيون”.
ولم يكن الرد العربي أفضل، فقد دعا وزير الداخلية الأردني السابق سمير الحباشنة إلى فرض التجنيد الإلزامي من جديد، وقالت الإمارات إنها “تفكر” بتخفيض التمثيل الدبلوماسي في إسرائيل. برد فعل كهذا يستطيع سموتريتس قول ما يريد قوله. ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بريطانيا لعدم استقبال نتنياهو، مع أن أولمرت ليس محسوبا على اليسار وجاء من الليكود ثم حزب كاديما.
وقال هيرست إن الرد الوحيد على كل هذا سيخرج من الشوارع الفلسطينية وعندما يحدث هذا وسيكون هناك رعب وصدمة ويقتل المتسوقون ورواد المطاعم في تل أبيب وتمتلئ أجواء الأثير الدولية بعبارة “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”، سيعرف كل واحد من يتحمل المسؤولية عن الانتفاضة الثالثة “هنا في بريطانيا”.