اخبار

رسالة من الأسير مروان البرغوثي إلى غزة

رسالة من مروان البرغوثي إلى غزة

 كتب عيسى قراقع:

يا غزة…

من زنزانةٍ بلا نافذة،

من قيدٍ اعتاد نبض القلب،

أكتب لكِ لا بالعزاء،

بل بدمٍ لم يجفّ بعد.

 

أعرف رائحة العزلة،

لكني لم أشتم يومًا ما شُممته من صمت العالم عليكِ.

أعرف كيف يُجلد الجسد،

لكن ما عرفتُه فيكِ: كيف يُجلد وطنٌ بأكمله

على مرأى من “الضمير الدولي”،

الذي نزع ضميره، وتزيّن بالخذلان.

 

يا غزة،

كلما رأيت خبزك يُنهب،

وصوتك يُقصف،

أفكر:

كيف صارت المجازر مشهدًا يوميًا

لا يهزّ طاولة الأمم؟

كيف صار الجوع لغةً دبلوماسية

يتحدث بها القتلة؟

وكيف يكتب العرب بيانات الحزن

بأحبار النفط؟!

 

 

 

إنهم لا يقتلونكِ لأنكِ ضعيفة،

بل لأنكِ ترفعين رأسك.

إنهم لا يحاصرونكِ لأنكِ غريبة،

بل لأنكِ الأصل… والجذر…

وآخر ما تبقّى من الكرامة.

 

تقتلكِ الطائرات، نعم…

لكن الأكثر فتكًا هو خنجر الصمت،

خنجر الخوف،

خنجر “الحياد” الذي صار دينًا جديدًا

يعبد على عتبات القصور.

 

 

 

أيتها المدينة الجريحة،

لو كان لي أن أصرخ خارج هذه الزنزانة،

لقلت للعالم:

أنتم شهود الزور في جنازة إنسانية،

أنتم قضاةٌ مأجورون لمحكمةٍ بلا عدل،

أنتم تجار الخراب،

تبيعون غزة في كل مؤتمر،

وتشترون صمتها بالدولار.

 

أما العرب…

فماذا أقول لهم؟

هل أذكّرهم أن الأندلس لم تسقط بالسيف،

بل حين خانت الجيوش نفسها؟

هل أذكّرهم أن القدس لن تتحرر

بقصائد الشعر ولا بخطب الجمعة؟

هل أقول لهم إن وحدة الدم أولى من وحدة القنوات؟

 

 

 

غزة،

صبرك ليس خضوعًا، بل قمة الإرادة.

وجوعكِ ليس ضعفًا، بل سلاح.

وخرابكِ ليس هزيمة، بل بدايةُ كتابة جديدة

في سفر المقاومة.

 

لا تنتظريهم،

اصنعي خلاصكِ من رمادك،

وأنتِ أهلٌ له.

 

وأما أنا…

فلست بعيدًا،

أنا فيكِ كما أنتِ فيّ،

وإن قُيّدتُ بالحديد،

فروحي الآن على أسوارك،

تدافع عنكِ

بفكرٍ لا يُقصف،

وبإيمانٍ لا يُخذَل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى