صحيفة فرنسية: إذا لم يتم اتخاذ إجراءات لوقف إسرائيل ستستمر الإبادة الجماعية في غزة بوتيرة مكثفة

تحت عنوان: الحرب في غزة.. دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، جنبًا إلى جنب للمضي قدمًا”، قالت صحيفة ليمانيتي الفرنسية إن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ ليلة 17 إلى 18 مارس/آذار الجاري، وضع حداً لوقف إطلاق النار، وإن حرباً جديدة قد تكون أكثر قسوة من سابقتها، حيث تريد تل أبيب، بدعم من واشنطن، إنهاء القضية الفلسطينية.
اعتبرت الصحيفة أن هذا التوافق الذي يمنح بنيامين نتنياهو كل الحريات ليس محض صدفة.. فنادراً ما شهد التاريخ المعاصر مكراً وخداعاً بهذا المستوى من زعيم سياسي، تقول الصحيفة الفرنسية، واصفةً رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه “شديد الخطورة”. فيكفي أن نرى كيف استغل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 16 يناير/كانون الثاني مع حماس، ليس للتقدم نحو إنهاء الأعمال العدائية، بل لإعادة نشر قواته العسكرية والسياسية لمواصلة هدفه: إنهاء القضية الفلسطينية. ولتحقيق ذلك، كان لا بد من كسر وقف إطلاق النار.
في ليلة 17 إلى 18 مارس/آذار الجاري، وبشكل وحشي ومفاجئ، قصف قطاع غزة بشكل مكثف، خاصة في الشمال، حيث قُتل أكثر من 500 فلسطيني، بينهم 190 قاصراً. ولم يكن ذلك سوى البداية. أعلن الجيش الإسرائيلي يوم الخميس 20 مارس/آذار الجاري أنه يوسع عملياته البرية في القطاع الفلسطيني. هذا الهجوم العسكري الجديد لإسرائيل يهدد بأن يكون أكثر دموية وتدميراً من سابقه، الذي أسفر عن مقتل أكثر 44 ألف فلسطيني (دون احتساب الجثث التي ما تزال تحت الأنقاض). هذه العملية تسعى لتحقيق أهداف أوسع، وخصوصاً مع قيود أقل بكثير، تضيف صحيفة ليمانيتي.
في 20 مارس/آذار، منع الجيش الإسرائيلي أي حركة على طريق صلاح الدين، الشريان الرئيسي الذي يربط شمال القطاع بجنوبه. وللخروج من الجزء الشمالي، سلك مئات الفلسطينيين طريق الرشيد الساحلي جنوباً، بعضهم سيراً على الأقدام، وآخرون على عربات تجرها حيوانات، حاملين معهم القليل من الممتلكات. وأكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، دافيد مينسر، في اليوم نفسه، أن الجيش “يسيطر الآن على وسط وجنوب غزة”، ويقيم منطقة عازلة “بين الشمال والجنوب”، ما يعني نقض كل ما كانت إسرائيل قد اضطرت لقبوله في 16 يناير/كانون الثاني.
الرئيس الأمريكي أعرب عن دعمه الكامل للعملية الإسرائيلية، التي تتماشى مع رؤيته لغزة، كمنطقة خالية من سكانها الفلسطينيين، حيث يريد ترحيل مليوني شخص إلى مصر أو الأردن لإفساح المجال لمجمع سياحي واسع. فترامب أظهر عدم اهتمامه بوقف إطلاق النار قبل أسابيع، حين صرح بوجوب إلغائه إذا لم تفرج حماس فوراً عن جميع الإسرائيليين الذين تحتجزهم، تقول الصحيفة الفرنسية، مضيفةً أن أي محاولة قامت بها الإدارة الأمريكية للتفاوض مباشرة مع حماس توقفت بعد الغضب الإسرائيلي. ثم ألقى المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف اللوم على حماس في انهيار الهدنة، زاعماً أنها لم تقبل مقترحات إطلاق سراح الإسرائيليين فوراً.
مضت صحيفة ليمانيتي قائلةً إن حماس “الضعيفة” ليس أمامها سوى خيار واحد: تمديد وقف إطلاق النار بشكل دائم والمطالبة بمبادلة الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل مقابل الإسرائيليين المحتجزين في غزة.. وهذا بالضبط ما ينص عليه اتفاق 16 يناير/كانون الثاني. لم تفرض الإدارة الأمريكية أي قيود على تل أبيب، لم تنتقد قرارها بإعادة حصار غزة، أو انسحابها الأحادي من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينسب ترامب فضله لنفسه، ولا الضربات الجوية التي قتلت مئات الرجال والنساء والأطفال.
بالتوازي، وبطريقة متناقضة، يعزز نتنياهو أغلبيته السياسية عبر إعادة إدماج جزء من اليمين المتطرف، بزعامة إيتمار بن غفير، إلى الحكومة بعد أن كان قد غادرها احتجاجاً على اتفاق وقف إطلاق النار. وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، احتفظ بمنصبه، لكنه ضغط أيضاً لاستئناف الحرب، وترحيل الفلسطينيين، وعودة المستوطنين إلى غزة بعد عشرين عاماً. كما أقال نتنياهو أو أجبر على الاستقالة عدداً من كبار المسؤولين الذين بدوا أكثر ميلاً لدعم اتفاق لإطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين، تُشير صحيفة ليمانيتي، منوّهة في الوقت نفسه إلى استمرار عائلات الرهائن الإسرائيليين مع آلاف الإسرائيليين بالتظاهر بانتظام في وسط القدس وتل أبيب، مغلقين الطرق الرئيسية ومواجهين الشرطة للضغط على نتنياهو لاحترام الهدنة، مما يسمح بعودة ذويهم.
كما اعتبرت صحيفة ليمانيتي أنه بإعادة إشعال الحرب، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة إلى عائلات الرهائن والمتظاهرين مفادها أنهم غير مهمّين.. لهذا السبب، حذّرت الصحيفة الفرنسية من مغبّة أنه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات لوقف إسرائيل، فمن المتوقع استمرار الإبادة الجماعية في غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية بوتيرة مكثفة.
هذا ما يعكسه خطاب الوزراء الإسرائيليين، تقول صحيفة ليمانيتي، مُشيرة إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في 19 مارس/آذار الجاري: “إذا لم يتم تحرير جميع الرهائن الإسرائيليين ولم يتم طرد حماس من غزة، فسنتصرف بكثافة لم يسبق لكم أن رأيتموها من قبل”.
وأضاف: “أطلقوا سراح الرهائن واطردوا حماس، وستتاح لكم خيارات أخرى، بما في ذلك النفي إلى مناطق أخرى من العالم لمن يريد ذلك. البديل هو الدمار والتخريب الشامل”. ففكرة أن يبقى الفلسطينيون في وطنهم ليست مطروحة لدى القادة الإسرائيليين، الذين قد يسرعون في تنفيذ مشروعهم الإبادي، تقول الصحيفة الفرنسية، مشيرةً إلى قول الوزير نفسه في بيان صحافي يوم الجمعة 21 مارس الجاري: “إذا استمرت منظمة حماس الإرهابية في رفض إطلاق سراح الرهائن، فقد أعطيت تعليماتي (للجيش) للاستيلاء على مناطق إضافية، وإخلاء السكان، وتوسيع المنطقة الأمنية حول قطاع غزة لحماية المجتمعات الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين، عبر السيطرة الدائمة على المنطقة من قبل إسرائيل”.
في 20 مارس الجاري – تتابع صحيفة ليمانيتي – دعت حماس جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي للضغط من أجل “وضع حد للإبادة الجماعية” في قطاع غزة. وعبر مدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، عن أسفه يوم الخميس قائلاً: “دوامة لا نهاية لها من أقسى التجارب اللاإنسانية” لسكان غزة، المحاصرين والذين يعانون من أزمة إنسانية كبرى.
واعتبرت صحيفة ليمانيتي أن السيناريو الذي وضعته إسرائيل والولايات المتحدة يبدو معدا له بإحكام.. فإلى جانب فرض الأمر الواقع من خلال انهيار وقف إطلاق النار، حرصت واشنطن وتل أبيب على إسكات أي معارضة لمشروعهما.
أعلن إيمانويل ماكرون أنه سيتوجه إلى مصر في 7 و8 أبريل/نيسان المقبل، حيث يعتزم مناقشة الخطة العربية لإعادة إعمار غزة. وذكر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن فرنسا تعارض ضم قطاع غزة إلى إسرائيل. لكن أوروبا تبدو غير قادرة على فرض خيارات أخرى، إن كانت ترغب في ذلك أصلاً. فالوضع لا يتطلب كلمات، بل أفعالاً ملموسة، مثل فرض عقوبات على إسرائيل، ووقف تسليم الأسلحة أو المكونات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، وتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو، تقول الصحيفة الفرنسية، مضيفة أنه علاوة على كل ذلك، ينبغي على إيمانويل ماكرون إعلان اعتراف فرنسا بدولة فلسطين، والذي سيكون، بحسب الصحيفة، عملاً سياسياً حقيقياً يمكن أن يغير المعادلة.