اخبار

غزة.. أنين مدينة أكلتها المجاعة والنسيان ! أكرم عطا الله

غزة.. أنين مدينة أكلتها المجاعة والنسيان ! أكرم عطا الله

2025 Apr,27

 

لا شيء في المدينة سوى أناس فقدوا ملامحهم لأن شوارعها ضلت الطريق، لا شيء في المدينة سوى الجوع والعطش والخوف الذي سكن شاطئها لينتشر كلما تحركت الأمواج نحو الشرق مثل لهب يمتد من الشمال إلى الجنوب بلا توقف. كأن تاريخها أصبح وقتاً مستقطعاً بين حزنين وبين موتين وبين قذيفتين وبين رصاصتين تخطئان الطريق، لأن الرماة يراهنون دقة التصويب وتجارب الذكاء الصناعي. فحتى العلم الذي سُخر لخدمة البشر كان وبالاً على غزة. هكذا تعمل الأقدار كأنها تصفي حساب التاريخ الطويل لمدينة لا تتوقف عن النزيف منذ جرحها الأول.
ماذا يمكن للعقل أن يخترع ما يواسي المذبحة؟ لقد جف الكلام ولم يعد سوى تكرار لرحلة المسيح الطويلة قبل أن يعلق شعبه على الصليب.
 فلا إسرائيل تنتظر حلولاً وهي ترى فيما يحدث فرصة التاريخ التي تأخرت ثلاثة أرباع القرن لتنقض مثل ذئب جائع ينتظر طريدته على المشروع الفلسطيني الذي تبلور في غزة، ولا حركة حماس على الجانب الآخر تنتظر أفكاراً،  كم تعبت الناس وهي تقول وتكتب وتنصح، لكن حماس تريد أفكاراً داخل صندوقها الذي يضمن استمرار نفوذها وحضورها في معركة يائسة تحولت إلى مقتلة جماعية وبلا أمل يتبدى بعد عام ونصف.
تعود الأمور لنقطة صفرها الأولى في مفاوضات تعيد طبخ الحصى لأطفال جوعى، وكم جاع أطفال غزة في أطول وأقسى مجاعة شهدها التاريخ الحديث، فقد أغلقت كل المعابر ولا شيء يدخل غزة لا غذاء ولا دواء. كيف يمكن للعقل البشري أن يشهد هذه الحقبة ويعيش وجع طفلة تتلوى باحثة عن كسرة خبز تهرب بها من تحت الطائرات والمدافع، هذا الوجع أصبح حلماً إن وجدت الكسرة ولكن الجوع أكثر كفراً كما قيل. لكن أية ثقافة يحملها أعضاء هذه الحكومة التي تتلذذ على العذاب بل وتهدد بفرطها إذا ما أدخلت أية مساعدات.
لقد تعبنا وتعب الناس وتعبت الأقلام والصحف، وتعبت النساء والشيوخ وبكى الرجال ولا شيء يمكن أن يشرح للأطفال ما ذنبهم. لم تعد التكايا المذلة حتى قائمة، وكلما عادت الذاكرة للأواني التي ترتفع بأيدي أطفال بما يشبع مظاهرة الذل، يسيل القهر من القلب نزيفاً لا يتوقف مع استمرار المقتلة التي مازالت تجد لها متسعاً لأرض محروقة، فتعود من جديد لتحرق مرة أخرى في دائرة موت لا تتوقف.
ماذا يعني أن يتم سحق جيل كامل من الأطفال وأن يتعرضوا لكل هذا العذاب؟ كيف يمكن أن يكون صفات شعب من هذا الجيل؟ ماذا يعني أن لا تعليم لهذا الجيل للعام الثاني؟ وبدلاً من التعليم يخلق الواقع تعليماً مشوهاً ينتجه الفقر والذعر، فدراسات علم الاجتماع تحسم بين العنف ومناطق الفقر، وأي فقر تعرضت له غزة وأي عنف متوحش لاحق الناس لعام ونصف بلا توقف؟ وأي جيل هذا الذي يعيش هذا العصر؟ وأي عصر هذا؟ كنا اعتقدنا أن الإبادة والموت الجماعي أصبحا جزءاً من التاريخ البدائي المتوحش لنكتشف أن العصر الحديث أكثر توحشاً.
يقول نتنياهو إنه سيستمر في حربه حتى النهاية ويقف له شركاؤه بالمرصاد فيما لو فكر بالتوقف، هكذا يهدد سموتريتش وبن غفير بعد أن أصبحت الكاهانية مركزاً للقرار، ما يعني استمرار المقتلة غير آبهين بالحلول بعد أن تمكنوا من استعادة الجزء الأكبر من أسراهم، وفي المقابل يقول الناطق العسكري لحركة حماس إنها ستستمر بالقتال حتى النهاية …! وعن أية نهاية يتحدث الرجل الذي يشاهد كل تلك الانكسارات والفظائع واللحم المتناثر، ألا يكون ذلك في صالح دولة الاحتلال التي لا تريد التوقف وتسير نحو الخلاص من غزة، مستغلةً تلك التصريحات والوجود الهامشي الذي لم يعد يؤثر في مسار الحرب إلا لصالح من يمتلك القوة.
الهوة تزداد في المفاوضات وما بين من يعلن ضمان أمن إسرائيل لخمسة عقود وما بين من يقدم له فرصة هدنة لخمس أو سبع سنوات… وبعد ذلك؟ حرب أخرى؟ هنا معضلة كبيرة لا تعبر عنها سوى جحافل الأرامل واليتامى والأنين الذي يصعد إلى السماء. كيف أخذتنا العزة بالإثم لنصدق أننا قادرون على تغيير مسار التاريخ؟ كيف صدقنا نداءات خادعة بأن غزة قادرة على أن تحمي كل الفلسطينيين الذين كانوا يطالبونها بالتدخل قبل أن تأخذ أبناء غزة موجة من السذاجة لتفعل كل هذا وتكون تلك النتيجة.
وهل يفيد كثيراً شتم إسرائيل أو توجيه الانتقادات لها أو تجريمها؟ لو فعل الناس ذلك سيبدون كأنهم مصدومون من فعلها المتوحش كأنها كانت دولة رحيمة. لكن من لم يستطع تغيير التاريخ عليه أن يفكر كيف يحتمي من العواصف ليقف من جديد لا أن يعاند الريح لينتهي … لم يكن الأمر بعيداً، براءة لا تستوي مع مكر السياسة وموازينها…!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى