اخبار

قاتِل كمحور مقاومة، وفاوِض كمحور تطبيع..

قاتِل كمحور مقاومة، وفاوِض كمحور تطبيع..

2025 Jun,29

انتهت الحرب بين إسرائيل وإيران بإعلان أميركي، أي أن دولتين تتقاتلان على مدار اثني عشر يوماً، وتوجهان لبعضهما ضربات عنيفة، ثم تأتي دولة ثالثة لتعلن انتهاء هذا القتال المتبادل. صحيح أن هذه الدولة تدخلت لصالح أحد الطرفين، وصحيح أنه تم «ضرب» قاعدتها العسكرية في قطر كرد على هذا التدخل، لكن الصحيح أيضاً هو أن هذه الدولة استطاعت بعد تدخلها في الحرب، أن تفرض إيقافاً لها بعد ساعات معدودة.

والصحيح كذلك أن الطرفين المتقاتلين انصاعا تماماً لهذا الإعلان وأوقفا الضربات، ولكن دون أن يعلنا عن توقيع أي اتفاق بينهما ينهي هذه الحالة، بل على العكس تماماً؛ فقد ظلت لغة التهديد قائمة ومترافقة مع ادعاء كل طرف بتحقيقه النصر المطلق على الطرف الآخر، في سابقة لا تشبه إلا ما يحدث في منطقتنا من حروب.
اللافت أكثر من ذلك هو ما تبع الإيقاف المفاجئ لهذه الحرب من طرف أميركا، ألا وهو حالة من الغزل غير المسبوق، من ترامب شخصياً تجاه إيران، والذي تمثّل، أولاً، في إعلان السماح لها باستئناف تصدير النفط إلى الصين، وليس انتهاءً بموافقته المعلنة على برنامج سلمي للطاقة النووية تنعم به إيران ضمن «تكتل نووي إقليمي» كما تمت تسميته. وهذا ما وافقت عليه إيران على لسان وزير خارجيتها وعلى لسان مندوبها في الأمم المتحدة. ترافق هذا الاقتراح مع إعلان عن حوافز مالية وصَفَها بالضخمة من أميركا لإيران كنوع من التشجيع.
هذا ما يخص إيران، أما على الجانب الإسرائيلي، فلم تكد تمر ساعات على وقف إطلاق النار حتى بدأ نتنياهو بإعلان نيته، أو للدقة، قدرته على إيجاد حل في غزة، ثم بعد ذلك طالب المحكمة بتأجيل محاكمته لأسبوعين على الأقل لأسباب «سياسية واستراتيجية في المنطقة»، ثم مطالبة ترامب، غير الدبلوماسية كالعادة، بضرورة عدم محاكمة نتنياهو في إسرائيل. بكل تأكيد، لم يكن ترامب ليصرّح بهذا الصدد لولا علمه بالمفاوضات التي تتم داخل إسرائيل تحت رعاية رئيس المحكمة العليا السابق أهرون باراك، لإنهاء محاكمة نتنياهو عبر «وساطة جنائية بين الادعاء والدفاع».
تبع ذلك إعلان غير مسبوق عن موافقة نتنياهو بخصوص حل سياسي يتضمن الحديث عن دولة فلسطينية، وبصرف النظر عن شكل وصلاحيات هذه الدولة، إلا أن مجرد ذكر هذا المصطلح يُعد جديداً على نتنياهو، على الأقل في السنتين الأخيرتين.
ماذا عن الجانب الفلسطيني وهو لب الموضوع وجوهر المشكلة؟ فلو تجاوزنا كل ما نختلف حوله من طريقة إدارة هذا الصراع أو أدواته أو مبادرات حله، ولو تجاوزنا ما يقارب العامين من رفض «حماس» لمبادرات مجحفة بالتأكيد، ثم العودة للموافقة عليها بعد أن يكون الأوان قد فات، واستمرار هذه الدوامة من الرفض والموافقة ثم الرفض بعد تعديلات نتنياهو في خمس أو ست مرات متتالية. لو تجاوزنا كل ذلك وانتقلنا إلى اللحظة الراهنة فإننا أمام صورة يمكن تلخيصها على الشكل التالي:
لم تكتفِ قيادة «حماس» بتجاوز السلطة ومنظمة التحرير في محاولاتها لإيقاف هذه الحرب، بل تجاوزت حتى الوسطاء وذهبت لمفاوضات منفردة مع بوهلر سابقاً. ورغم الصفعة التي اعترفت بها «حماس» ذاتها بأن الأميركيين قد خدعوها في موضوع عيدان ألكسندر، والذي أفرجت عنه كبادرة حسن نية تجاه ترامب، مقابل أمل اعتراف أميركي بها وبالتالي التفاوض معها بشكل مباشر. ورغم ما قاله قادتها ومنظّروها والمحللون التابعون لها على قناة الجزيرة، إن أميركا، «أقوى وأعظم دولة في العالم، خضعت وفاوضت (حماس)»، ثم تراجعهم وحديثهم عن خيبة الأمل والكمين الذي وقعوا فيه.
رغم كل ذلك، إلا أنها تعود وتراهن على مفاوضات ثنائية مع شخصية أميركية لمجرد أنها أميركية، حتى لو كانت هذه الشخصية على هامش الإدارة أو صنع القرار أو حتى امتلاك الصلاحيات في الوصول إلى أي اتفاق ملزم لإسرائيل.
لماذا تفعل «حماس» ذلك، ولماذا تواصل رفض الاستجابة لمطالبات الشارع (الغزي على الأقل) بتسليم كامل الملف للمنظمة أو لجهة عربية ما؟ وما علاقة هذا الرفض بالمناخ السابق ذكره في أميركا وإيران وإسرائيل؟
من المعروف أن أحد أهداف هجوم السابع من أكتوبر المعلنة، والتي تم تكرار التصريح بها على ألسنة القادة والمحللين، وحتى على ألسنة الحلفاء من محور المقاومة، هو وقف قطار التطبيع. قالت «حماس» ذلك في بيانها الأول بعد الهجوم، وردده من خلفها الإيرانيون و»حزب الله» والمتحدثون باسم بشار الأسد. لكن كل هؤلاء، أو بلدانهم إن شئنا الدقة، أصبحت منذ فترة غير بسيطة من ضمن البلدان المستهدفة للتطبيع ذاته.
فسورية الجديدة لم توافق على التطبيع فحسب، بل طلبته هي بأكثر من لغة وأكثر من تصريح، وكل المؤشرات تقول، إنها هي الدولة القادمة على سكة هذا القطار، وسيكون هذا التطبيع بدون ثمن على أغلب تقدير، لا في الجولان المحتل قديماً ولا في الأراضي التي احتلتها إسرائيل على طول المنطقة العازلة. وهذا يعطينا مؤشراً كيف تفكر الحركات الدينية حين تصل إلى سدة الحكم، علنا نستطيع القياس في مناطق أخرى.
أما لبنان، وبهدف ترتيب وتثبيت وضعه الداخلي فأغلب الظن سيقوم بتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع ترسيم نهائي للحدود يخوله للدخول، فيما بعد، في حالة من حسن الجوار، إن شاء عدم تسميتها تطبيعاً، وذلك بسبب توازناته الطائفية. ماذا بالنسبة لإيران الزعيم الروحي والسياسي لهذا المحور؟
بعيداً عن التصريحات النارية المزمنة فإن إيران تعرف أنها وصلت إلى طريق مسدود، ولا أقصد أن ذلك حصل بسبب الحرب فقط، بل بدأ منذ زمن، وتكرّس مع مقتل رئيسها وهندسة صعود رئيس إصلاحي إلى سدة الحكم، ليستطيع مخاطبة العالم الغربي بلغة جديدة، ثم تفاقم بخسارتها لأذرعها، ثم تأكد مع الحرب الأخيرة. لكل ذلك فلا مخرج أمامها إلا الانخراط في المنظومة الغربية، أو مواجهتها لخطر داهم، أحببنا ذلك أم كرهناه.
بناء على كل ما سبق، والذي يعرفه المفاوض عن «حماس»، ويعرف أن قطار التطبيع الذي أراد إيقافه قد انطلق بسرعة أكبر وبركّاب أكثر عدداً، ومن مناصريه حصراً، فلا غرابة أن يقاتل تحت المظلة المقاومة لمحور الماضي، بينما يبحث عن الحل في أمل الحصول على مقعد مع محور تطبيع المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى