اخبار

لماذا يغتالون الصحافيين الفلسطينيين؟! توفيق أبو شومر

سئلتُ عن أسباب اغتيال 211 صحافياً فلسطينياً خلال عملية الإبادة العنصرية في غزة حتى يوم 22-4-2025 فأجبتُ، إن هذا الاغتيال المقصود هو استراتيجية إعلامية صهيونية، لأن السبب يعود إلى أن الحركة الصهيونية هي حركة إعلامية بالدرجة الأولى، فثيودور هرتسل مؤسسها الأول هو إعلاميٌ أدرك منذ بداية تأسيس الحركة الصهيونية، أن الركن الرئيس لنجاح أي حركة أو فكرة هو الإعلام، وقد أثبتت التجارب في ألفيتنا الثالثة أن الإعلام لم يعد في المرتبة الرابعة وفق تصنيف توماس كارليل الفيلسوف الاسكتلندي العام 1841، فهو اليوم في المرتبة الأولى، ولم يعد يقع بعد السلطة التنفيذية وبعد السلطة التشريعية وبعد السلطة القضائية، ثم السلطة الإعلامية، أصبح الإعلام اليوم هو السلطة الأولى بلا منازع!

فقد كان هرتسل صحافياً نمساوياً قبل أن ينفذ مشروعه الأول في المؤتمر الصهيوني الأول 1897م في مدينة بازل السويسرية، وشهد في زمنه أول حادثة أثَّرتْ في حياته، وهي قضية الضابط اليهودي الفرنسي، ألفريد درايفوس المتهم بأنه عميلٌ ألماني، فجُرِّد من رتبته العسكرية ونُفي خارج فرنسا قبل المؤتمر الصهيوني الأول بثلاث سنوات العام 1894، لأنه يهودي، ظل هرتسل يتابع هذا الحدث إلى أن تمكن من جمع لوبي فرنسي من المفكرين والكتاب، على رأسهم الكاتب الفرنسي الشهير، إميل زولا لإثبات براءة هذا الضابط، من هنا بدأت مسيرة الحركة الصهيونية الإعلامية، وشرعت قيادات اليهود في كل مكان في امتلاك وسائل الإعلام بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، لإحداث التأثير المطلوب!
من المعروف أن الجاليات اليهودية في العالم اقتبست نظرية هرتسل الإعلامية، وشكلت لوبيات إعلامية عديدة في العالم قبل تأسيس إسرائيل، فقد صدرت صحيفة هآرتس العام 1919، أما صحيفة يديعوت أحرونوت فصدرت العام 1939 وصدرت صحيفة دافار العام 1925، وصحيفة معاريف العام 1948، وتعددت الصحف الحزبية الإسرائيلية، أصدر حزب، المفدال حزب المتدينين الوطنيين صحيفة «هتسوفيه»، أما حزب مبام حزب العمال الموحد فقد أصدر صحيفة علهامشمار التي أقفلت في شهر آذار 1995، وأصدرت الحركة الشيوعية الإسرائيلية صحيفة «كول هاعام» التي أغلقت العام 1975، كما أن صحف إسرائيل تحولت من صحف مدعومة من الدولة إلى صحف تُشارك في النشاط التجاري الإسرائيلي، فأصبح الدخل السنوي لصحيفة، يديعوت أحرونوت التي تملكها عائلة موزس يبلغ مئات ملايين الدولارات، وكذلك صحيفة معاريف، وصحيفة هآرتس، وصحيفة إسرائيل هايوم!
إن ما تملكه إسرائيل من وسائل إعلام ومن صحف إسرائيلية، له  تأثير كبير على المؤسسات الحكومية في إسرائيل فهي الأكثر تأثيراً، وما تملكه إسرائيل من كوكتيل لغات العالم جعلها سلطات إعلامية كبيرة، هكذا صار الإعلام أشد تأثيراً من نظريات السياسيين، فالإعلام يوجههم ويقودهم، لذلك فإن شراء هذه الوسائل الإعلامية أصبح طموحاً لكل سياسيي إسرائيل!
ويجب ألا ننسى أن التهم الأربع الموجهة لنتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، منها تهمتان إعلاميتان، الأولى تهمة رقم مائتين، وهي تهمة الاستحواذ على صحيفة يديعوت أحرونوت، وهي مكالمة هاتفية مع أرنون موزس رئيس تحرير الصحيفة، تهدف لوقف توزيع صحيفة إسرائيل هايوم مجاناً في إسرائيل، وتهمة رقم أربعمائة للاستحواذ على موقع واللا الإخباري!
كذلك استخدم قادة إسرائيل نظاماً فرضوه على الإعلام لتحقيق الأهداف الإعلامية، وهو نظام الالتزام بالرقابة العسكرية، من رؤساء تحرير الصحف، وهو القانون الذي أُقِرَّ العام 1949 بعد تأسيس إسرائيل بعام واحد، ينص هذا القانون على منع نشر معلومات تساعد الأعداء، وتنص على التعاون بين الجيش ورؤساء التحرير، مع الالتزام بعدم نشر المواد السرية.
إذن، ليس من المبالغة القول إن كل رؤساء حكومات إسرائيل هم إعلاميون ورثوا هذه التكنولوجيا الإعلامية من قادتهم القدماء، كان مفروضاً علينا أن نعي هذه الحقائق، ولا سيما أن للفلسطينيين تراثاً إعلامياً مميزاً يتمثل في عدد الكفاءات الإعلامية، كما أن فلسطين تفتخر بأن إذاعتها الأولى انطلقت العام 1936 أي قبل تأسيس إسرائيل، وأن عدداً كبيراً من إعلاميي فلسطين ومصر ولبنان وسورية كان لهم دورٌ كبير في تأسيس منظومات إعلامية كبرى في العالم!
أما عن سبب اغتيال هذا العدد الكبير من الصحافيين الفلسطينيين في فلسطين فإنه يعود إلى نجاحهم في التغطية الصحافية الحرة غير الخاضعة للتأثيرات، فهم جنود الميدان الأكْفاء ممن ينافسون الرواية الإسرائيلية الإعلامية، لذلك فإنهم أعداءُ للمؤسسة الإعلامية الاحتلالية.
هذه السياسة لم تبدأ منذ الحرب العنصرية الجارية منذ السابع من أكتوبر العام 2023، بل تعود إلى القرن العشرين، ففي سبعينيات القرن الماضي جرى اغتيال، وائل زعيتر السفير والصحافي الفلسطيني، في روما، واغتيال، محمود الهمشري في باريس، وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، وكمال ناصر، وفي الثمانينيات اغتيل، الصحافي ماجد أبو شرار، كما أن اغتيال، غسان كنفاني مثلاً في السبعينيات ليس لأنه شارك في عمليات إرهابية ضد إسرائيل، بل لأنه أديبٌ وإعلامي وصحافي بارز!
كثيراً ما كنتُ أجيب عن سبب تفوق وإبداع الإعلاميين الفلسطينيين والعرب عندما يعملون خارج فلسطين مع قنوات أجنبية، بينما لا ينجح هؤلاء في وطنهم العربي والفلسطيني، كنتُ أجيب عن ذلك بأننا للأسف لا نزال نعتبر الإعلام وظيفة حكومية مدعومة من أنظمة الحكم، ونعتبر الإعلاميين موظفين مملوكين لأنظمتهم الحاكمة، عليهم أن يثبتوا لها الولاء دائماً، فإعلاميونا ينجحون إذا اغتربوا، لإنهم يحسون بالحرية، فهم ينجحون بسبب نجاح مؤسساتهم وشركاتهم الإعلامية التي تتمتع بالحرية والديموقراطية في الأوطان التي تحترم حرية الصحافة!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى