اخبار

ما بين جحيم غزة وجحيم المهجر..

نتفهم حجم معاناة أهلنا في قطاع غزة وهي معاناة حتى مصطلح حرب الإبادة والتطهير العرقي قاصر عن التعبير عن حقيقة ما يجري لهم طوال ١٧ شهرا من موت وجوع ومرض وانعدام الرؤية لمستقبل غزة ومستقبل الأبناء الذين يعيشون للعام الثاني دون مدارس، كل ذلك يدفع كثيرين للتفكير بالهجرة إلى أي مكان وفي اعتقادهم أنهم سيستقرون في دول أوروبية أو آسيوية مستقرة تؤمن لهم حياة كريمة إلى حين استقرار الأوضاع في فلسطين ثم يعودون للقطاع. 

نعلم أن فلسطينيي القطاع ادرى بظروفهم والقرار لهم وليس من حق أحد ان يتحدث نيابة عنهم ،أو مطالبتهم بالصبر والصمود ممن يتاجرون بدمائهم ومعاناتهم والزعم أن أهالي القطاع منتصرون ومشاريع شهادة الخ وخصوصا ممن يقيمون خارج القطاع. 

 ولكن من الواجب علينا التنويه ان واشتطن وتل ابيب ،في  ظل الواقعية السياسية الفجة حيث أصبح فيه حق القوة يعلو على قوة الحق ،يستطيعون تغيير الوضع البولوتيكي والاستراتيجس ليس في قطاع غزة فقط بل في فلسطين والمنطقة كلها،ولكن مسألة تهجير ٢ مليون ونصف وحتى مليون إلى دولة أخرى خارج المنطقة  ليس بالأمر السهل ليس لفقدان القوة العسكرية للدولتين ولا حتى لرفض الفلسطينيين الهجرة بل لاستحالة أن تقبل أية دولة باستقبال هذا  هذا العدد الكبير دفعة واحدة إلا اذا كانت دولة دون سيادة أو دولة فاشلة تقودها حكومة ضعيفة .

ومن هنا فأن تسريب اخبار عن اتصالات تجريها واشنطن مع عديد الدول للقبول باستقبال مهجري غزة قد يكون هدفه التهويل والتخويف لتحقيق أهداف أخرى أو إخفاء  المخطط الحقيقي للتهجير والجهة التي سيتوجهون لها غير الدول المعلن عنها كمكان للتهجير.

بالنسبة للدول التي يتم تداولها كمكان للتهجير مثل دولة ارض الصومال وسوريا فإننا نتمنى على أهلنا في القطاع التفكير جيدا بالأمر ،حتى في حالة قبول اي من الدولتين باستقبال الفلسطينيين،

مهما كانت الوعود ،لأنهم سيتعرضون هناك لحرب إبادة لا تقل عن حرب الإبادة الصهيونية وآنذاك لن يكون في استطاعتهم العودة لقطاع غزة أو التنقل لأية دولة أخرى، لأنه سيتم حال وصولهم مكان اللجوء تجريدهم من كل أوراقهم الثبوتية وتوقعيهم على تعهد بعدم العودة لفلسطين وسيتم وضعهم في كانتونات مغلقة.

بالنسبة لدولة أرض الصومال، فقد كانت جزءا من الجمهورية الصومالية التي شهدت لعقود حربا أهلية دامية بين الحكومة وجماعات اسلاموية متطرفة وقراصنة، وانفصلت دولة أرض الصومال عن الدولة المركزية عام ١٩٩١ ولكن دون أن تعترف بها الأمم المتحدة وغالبية دول العالم، والوضع في الصومال عموما غير مستقر وقد تعود الحرب الأهلية مجددا وآنذاك سيقع الفلسطينيون في جحيم هذه الحرب بالإضافة الى فقر الدولة وقلة امكانياتها والاختلاف في العرق واللون والثقافة بين الفلسطينيين واهالي البلاد مما يجعل الاندماج والتعايش مستحيلا. وسبب اختيار واشنطن لهذه الدولة أنها تعتقد بإمكانية قبولها الفلسطينيين مقابل اغراءات مالية كبيرة والأهم من ذألك مقابل اعتراف واشنطن بها ومساعدتها في الحصول على عضوية هيئة الأمم المتحدة. 

اما سوريا فمن المعروف أنها خرجت حديثاَ من حرب أهلية دامية وحكومتها ما زالت ضعيفة ولا تسيطر على اجزاء كبيرة من البلاد واقتصادها ضعيف واحتمالات عودة الحرب الأهلية واردة حتى إمكانية تقسيمها. فكيف سيكون حال المُهجرين الفلسطينيين الجُدد وما زالت أحداث ومصير مخيم اليرموك وبقية مخيمات سوريا عالقة في الاذهان؟ وكيف سيعيش الفلسطينيون وسط مجتمع تنخره الصراعات الطائفية؟ وإذا كان السوريون أصحاب البلاد غير قادرين على التعايش معا فكيف سيتعايش معهم من هم من خارج البلد؟ 

حتى الآن الدولة السورية ترفض استقبال مهجري غزة ولكن واشنطن تضغط عليها بإغراءات مالية كبيرة ووعد برفع العقوبات ودعم سياسي وعسكري.

لكل ما سبق يمكن القول بأن مخطط التهجير وبالرغم من كونه حديث الساعة ومحل اهتمام وقلق محلي وعربي ودولي وإسرائيل شكلت إدارة خاصة بتهجير أهالي غزة وكأن الأمر بات محسوما، إلا أن التهجير الجماعي خارج المنطقة صعب التحقيق على الأقل في المدى القريب.  ما يثير القلق هو مخطط التهجير الى سيناء الذي ما زال مطروحاَ وينم الاشتغال عليه أمريكيا بصمت بالرغم من المعارضة المصرية رسمياَ وشعبياَ،وهو مخطط ممكن إنجازه بمزيد من القوة والتهديد والاغراءات  لمصر ولدول المنطقة، وفي هذا السياق يمكن احياء مخطط دولة غزة الموسعة تجاه سيناء،واذا نجح التهجير من غزة الى سيناء فسيتم الانتقال للتهجير من الضفة أيضا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى