اخبار

مياه الأمطار تغزو المنازل وخيام النزوح وتحول حياة سكان غزة إلى جحيم

لم يعد سكان قطاع غزة، كباقي سكان العالم يترقبون سقوط أمطار الشتاء، بعد أن أصبح هطولها مرتبطا بمآس جديدة يعيشونها بسبب تداعيات الحرب المتواصلة، وبعد أن فقدت أهميتها في تحسين جودة الإنتاج الزراعي أو حتى زيادة المخزون الجوفي للمياه، خاصة بعد تجريف معظم الأراضي الزراعية وتدميرها خلال الحرب.

غرق الخيام

ومن جديد نكأت مياه أمطار الشتاء التي بدأت بالهطول على قطاع غزة منذ ليل الاثنين جراح السكان، بتسرب كميات كبيرة منها لمناطق النزوح سواء في مراكز الإيواء أو في مناطق الخيام، علاوة عن اقتحامها المنازل التي تضررت بشكل بليغ جراء الغارات الجوية لجيش الاحتلال.

وبسبب الحرب التي دخلت شهرها الثاني من العام الثاني، تعيش كل الأسر مأساة حقيقية في فصل الشتاء، إما بسبب الغرق أو لفقدان التدفئة والأغطية والملابس اللازمة للتعامل مع الأجواء شديدة البرودة.

وأبلغ مع بداية هطول الأمطار ليل الاثنين، عن غرق خيام النازحين كما المرات السابقة، عندما اقتحمت مياه الأمطار التي تجمعت في الشوارع القريبة مناطق نومهم، فخرجوا مفزوعين يحملون أطفالهم أو كبار السن المقعدين، بحثا عن مكان يقيهم من المطر، بعد أن ابتلت ملابسهم وأغطيتهم.

وكان من بين المناطق التي طالها الغرق معسكر الخيام الذي وضع في ملعب اليرموك الرياضي وسط مدينة غزة، والذي خصص للنازحين من مناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون أقصى شمال القطاع، حيث يقيم في ذلك المكان آلاف المواطنين بينهم المرضى وكبار السن والأطفال.

 

وتداول نازحون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات تظهر غرق تلك المنطقة بمياه الأمطار، ودخول كميات كبيرة من المياه إلى الخيام، وفي ذلك المكان ظهرت سيدة نازحة تحمل طفلة صغيرة، وهي تحاول التخلص من المياه التي تسربت لداخل خيمتها، وقالت إن لديها طفلة معاقة، وباتت تخشى على حياتها بسبب هذا الوضع.

وتسبب هطول المطر والرياح الشديدة في تطاير عدد من الخيام، ومع بزوغ شمس الثلاثاء، حاول الرجال النازحون تثبيت خيامهم في تلك المنطقة، وتواصلت “القدس العربي” مع نازحين في ذلك المكان، وقال نصر خليفة، إن الخيام التي يقيمون بداخلها مصنوعة من القماش وليس البلاستيك، ولا تقي تسرب المياه، ويشير أيضا إلى أنه في حال توفرت كسوة من البلاستيك لخيام النزوح، فإن ذلك لم يف بالغرض، لكون أن أرضية المكان غير مجهزة لتصريف مياه الأمطار التي ستتجمع وتتسلل إليهم من الأرض.

وأوضح هذا النازح وغيره الكثيرون في ذلك المكان، أن أغطيتهم وملابسهم ابتلت، فيما تلفت الكثير من المواد الغذائية وفي مقدمتها الكميات القليلة من الدقيق التي بحوزتهم، وأنهم سيواجهون مصيرا صعبا في الأيام القادمة، يتمثل في زيادة الجوع وعدم توفر ما يقيهم من برودة الجو.

وهذا المنخفض الجوي هو الثاني لكنه الأعمق، منذ بداية منخفضات الشتاء على القطاع الساحلي، الذي يشهد سنويا منخفضات متتالية تحمل كميات كبيرة من الأمطار، وكما الشتاء الأول غمرت مياه الأمطار غالبية شوارع القطاع، وتشكلت تجمعات مياه كبيرة في عدة أماكن، بسبب تدمير حيش الاحتلال الشوارع بالقصف الجوي وخلال عمليات التوغل البري، وتعمده تخريب البنى التحتية وخاصة شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه الامطار.

 

وذكر جهاز الدفاع المدني أن خيام النازحين في قطاع غزة، تعرضت للغرق نتيجة موجة أمطار غزيرة، مما فاقم معاناة آلاف العائلات النازحة بفعل القصف، فيما تسببت المياه أيضا في اقتلاع العديد من الخيام وإغراق محتوياتها.

أما بلدية غزة، فذكرت أن حلول فصل الشتاء للمرة الثانية، مع استمرار العدوان منذ أكثر من عام، يفاقم من الكارثة الصحية والبيئية، بسبب كثرة الركام في شوارع المدينة، لافتة إلى أن ذلك يسبب انسدادًا في مصارف مياه الأمطار والصرف الصحي.

فيضان الشوارع

وتسبب هطول الأمطار أيضا بمشاكل لأصحب المنازل التي تعرضت سابقا لأضرار بليغة من القصف، سواء تلك المسقوفة بالخرسانة أو المكسوة بالزينكو، حيث لم تجد محاولات الكثير من سكان تلك المنازل نفعا هم والنازحون في الخيام، للاستعداد للمنخفض بأي نتيجة، وقال إبراهيم نبهان من وسط قطاع غزة لـ”القدس العربي” إن مياه الأمطار تسربت مع بداية الهطول إلى مكان سكنه في بيت العائلة، والذي تعرض سقفه لشروخ جراء قصف قريب، ما دفعه لنقل عائلته وبعض الأمتعة لمنزل شقيقه المجاور، ويوضح هذا الشاب، أن منزله يحتاج إلى إصلاحات كثيرة ومواد مرتفعة التكاليف، حتى يكون صالحا للسكن في الشتاء.

وكتب الراصد الجوي ليث العلامي على صفحته على موقع “فيسبوك”: “ليلة صعبة كانت في قطاع غزة، وهذه المرة ليست بسبب القصف فقط، حيث هطلت الأمطار بغزارة على آلاف الأسر التي فقدت منازلها وتعيش في خيام من قماش وعلى آخرين من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء”.

وبسبب آلاف الغارات التي شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية منذ بداية الحرب، وعمليات التدمير الممنهج للمنازل خلال التوغلات البرية، حيث تفيد احصائيات أولية بتضرر ثلثي منازل القطاع ما بيت تدمير كامل وجزئي- أصبح من الشائع أن ترى غرفا سكنية في بنايات هدمت أكثر من جدار لها، فيما استعان سكانها بقطع من القماش لتغطية تلك الفتحات الكبيرة، والتي بالعادة تتسرب منها مياه الأمطار.

احتياطات غير مجدية

ورغم أن الكثير من النازحين ومنهم عائلة المسن أبو إبراهيم في منطقة سوق النصيرات، وضعوا أكياسا مملوءة بالرمال حول الخيمة، لتثبيتها من الاقتلاع، ومنع تسرب المياه إليها، بعد كسوتها من الخارج بقطع من البلاستيك، إلا ان المياه بسبب تضاريس الأرض المنحدرة من جهة مكان سكنهم دخلت إلى الخيمة.

وهذا الحال شابه ما حدث مع العوائل النازحة في مناطق غرب المخيم وفي مدينة دير البلح ومنطقة مواصي خان يونس اللواتي يكثر فيهن النازحون، وتحدث المقيمون هناك عن أوضاع صعبة للغاية عاشوها في الليلة الأولى لسقوط الأمطار، وقال أحدهم ويقيم في منطقة تقع غرب مدينة دير البلح، إنه ظل وأسرته وجيرانه يقظون طوال الليل وإن أيا منهم لم يغمض له رمش، مع اشتداد سقوط المطر وخشية من اقتلاع الخيمة، وأضاف “زمان كنا ننتظر المطر لتحسين الزراعة وري المحاصيل، واليوم ما ظل (لم تبق) أراضي زراعية، والمطر صار يدخل علينا من كل جهة”، وتابع “فرحتنا بالمطر زمان، تحولت لكوابيس اليوم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى