اخبار

نتنياهو يهدد إيران بهدف التصعيد ضد غزة

رغم أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تظهر تراجع شعبية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، منذ بداية العام 2023، وارتفاع شعبية الأحزاب الصهيونية في المعارضة، إلا أن حكومة نتنياهو مستقرة جدا حاليا، فيما تراجعت الاحتجاجات ضد خطة “الإصلاح القضائي” الحكومية لإضعاف جهاز القضاء، وكذلك ضد سياسة الحكومة التي ترفض التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة.

يشار إلى أن التراجع في كتلة أحزاب الائتلاف، في الاستطلاعات، سببه تراجع شعبية حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بحوالي 8 – 12 مقعدا في الكنيست، بينما شعبية باقي أحزاب الائتلاف مستقرة تقريبا. وفي حال تبين عشية الانتخابات المقبلة أن حزب الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش لن يتجاوز نسبة الحسم، فإنه يتوقع أن يخوض الانتخابات بقائمة واحدة مع حزب “عوتسما يهوديت” برئاسة إيتمار بن غفير، الذي لديه شعبية واسعة نسبيا، وأن ينفصلا بعد الانتخابات مثلما حدث في أعقاب الانتخابات الأخيرة.

ويسود في حكومة نتنياهو إجماع واسع حول جميع القضايا تقريبا، وخاصة تلك المتعلقة بخطة “الإصلاح القضائي” وإقالة “حراس العتبة”، مثل المستشارة القضائية للحكومة ورئيس الشاباك، لكن هناك خلاف عميق بين حزبي سموتريتش وبن غفير وبين الأحزاب الحريدية حول سن قانون يعفي أو يلزم الحريديين بالتجنيد للجيش.

وبشكل عام، الخلافات بين الائتلاف والمعارضة هي حول قضايا داخلية بالأساس، مثل “الإصلاح القضائي” وتجنيد الحريديين، بينما يكاد لا يوجد خلاف بين الجانبين حول قضايا خارجية، وخاصة إذا كانت تتعلق بالحرب على غزة أو بهجوم كبير ضد إيران أو احتلال أراضي دول عربية، مثلما هو حاصل في سورية ولبنان.

وقد تجد تصريحات يطلقها رؤساء أحزاب في المعارضة، مثل يائير لبيد، تطالب باستمرار تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، لكن هؤلاء لا يطالبون بوقف حرب الإبادة على غزة بكافة أشكالها. فقد عارض رئيس حزب “يسرائيل بيتينو”، أفيغدور ليبرمان، الثلاثاء الماضي، إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، وادعى أنه “في الوقت الذي يتم فيه تجويع مخطوفينا في الأنفاق، وسكان الجنوب يهرولون إلى الملاجئ في العيد (الفصح اليهودي)، تستسلم الحكومة الإسرائيلية مجددا وتعتزم نقل مساعدات إنسانية أخرى إلى غزة. ويحظر السماح بحدوث ذلك”.

وفيما يتعلق بتهديدات نتنياهو المتواصلة بمهاجمة إيران، اعتبر رئيس حزب “المعسكر الوطني”، بيني غانتس، بمنشور في منصة “إكس”، أمس، أن “النظام الإيراني خبير في المماطلة. وعلى إسرائيل وبإمكانها أن تهاجم في إيران. وعلينا تجنيد الولايات المتحدة وتغيير وجه الشرق الأوسط”.

وقال رئيس المعارضة لبيد، أمس، إنه “اقترحت في تشرين الأول/أكتوبر مهاجمة حقول النفط الإيرانية. فالقضاء على صناعة النفط الإيرانية سيدمر اقتصادها ويسقط النظام، أخيرا. نتنياهو خاف وأوقف ذلك”.

ويعني ذلك أنه توجد في إسرائيل عموما “نشوة القوة” تجاه الخارج من خلال التهديد بحروب متواصلة، وتوجد في حكومة نتنياهو بشكل خاص “نشوة القوة” تجاه الداخل أيضا من خلال مواصلة سياستها، من دون وجود أي قدرة لدى المعارضة على عرقلتها أو عرقلة جزء منها.

انتقادات لزامير من داخل أجهزة الأمن

تغلغلت الخلافات السياسية الداخلية في إسرائيل إلى الجيش الإسرائيلي، في الأسبوع الأخير، من خلال عرائض وقعها آلاف الضباط والجنود في قوات الاحتياط التي تطالب بتبادل أسرى “حتى لو كان ذلك بثمن وقف الحرب”. واعتبر نتنياهو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أن هذه العرائض تدعو عمليا إلى رفض الخدمة العسكرية، لكن الموقعين عليها شددوا على أن العرائض لا تدعو إلى رفض الخدمة. واللافت هنا أن عددا كبيرا من عناصر الاحتياط، وخاصة في سلاح الجو، كانوا قد أعلنوا عن رفض الخدمة احتجاجا على خطة “الإصلاح القضائي”.

وجاءت عرائض عناصر الاحتياط احتجاجا على استئناف إسرائيل الحرب على غزة، من دون استعادة أسراها المحتجزين في قطاع غزة. أي أنها جاءت احتجاجا ضد سياسة الحكومة. إلا أن زامير قرر إقصاء الموقعين على العرائض من الخدمة العسكرية، وأعلن أنه لن يسمح “بتسييس” الجيش، علما أن عناصر الاحتياط بالمفهوم العسكري الإسرائيلي هم مواطنون يتطوعون في الخدمة العسكرية.

تشييع جثمان شهيد جراء قصف إسرائيلي في بيت لاهيا، أول من أمس (Getty Images)
استأنفت إسرائيل الحرب على غزة بعد أسبوعين من بدء ولاية زامير، الذي وضع الخطط الحربية وأعلن أن هدفها القضاء على حماس وإعادة الأسرى الإسرائيليين، وهما هدفان لم تحققهما إسرائيل طوال سنة ونصف السنة قبل وقف إطلاق النار، في 19 كانون الثاني/يناير الماضي. واعتبر زامير أن استئناف الحرب لا يشكل خطرا على الأسرى الإسرائيليين. لكنه، من الجهة الأخرى، أبلغ الكابينيت السياسي – الأمني بأنه يوجد نقص كبير بالجنود، وأن نسبة التجنيد للوحدات القتالية ضئيلة.

ووجه ضباط ومسؤولون أمنيون إسرائيليون انتقادات شديدة لزامير، لدرجة اتهامه بأنه “يدعم الحكومة بشكل مخالف لاعتبارات عسكرية نقية”، وأنه “ليس واضحا لنا أبدا إلى أين تتجه هذه الحرب” وأنه “ليس الجميع في جهاز الأمن والجيش يؤيدون هذه العملية العسكرية”، وفقا ما نقلت عنهم صحيفة “يديعوت أحرونوت”، الأربعاء.

وفي معرض الرد على هذه الاتهامات لزامير، وصف ضباط في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، في إحاطة لمراسلين عسكريين، استئناف الحرب بأنه “ضغط عسكري” هدفه أن توافق حماس على صفقة تبادل أسرى، أي أن تتنازل عن مواقفها في المفاوضات، وخاصة عدم اشتراط التبادل بضمانات لوقف الحرب. وليس متوقعا، في إسرائيل أيضا، أن تتنازل حماس عن هذا الشرط.

وبهدف صد الاتهام لزامير بأنه يدعم الحكومة، قال الضباط إن مداولات جارية مع المستوى السياسي حول إدخال مساعدات إنسانية لقطاع غزة، رغم وجود معارضة واسعة لذلك داخل الحكومة، وهي صاحبة القرار النهائي بهذا الخصوص.

ترامب يمنع هجوما إسرائيليا في إيران؟

ترفض إسرائيل امتلاك أي دولة في المنطقة سلاحا نوويا، وهذا رفض معلن ويوصف بـ”عقيدة بيغن”، نسبة لرئيس الحكومة الأسبق، مناحيم بيغن، الذي قرر مهاجمة وتدمير المفاعل النووي العراقي، في العام 1981. وبموجب هذه العقيدة دمرت إسرائيل مفاعلا نوويا قيد الإنشاء في سورية، في العام 2007، بقرار من رئيس الحكومة حينها، إيهود أولمرت.

وليس سرا أن الجيش الإسرائيلي أجرى ولا يزال يُجري تدريبات على مهاجمة البرنامج النووي الإيراني، وهو برنامج أكبر وأوسع بكثير من البرنامجين العراقي والسوري، ومنشآته منتشرة في مواقع عديدة في إيران وبعضها موجود في باطن الأرض. وفي بداية العقد الماضي، أصدر نتنياهو بدعم من وزير الأمن في حينه، إيهود باراك، أمرا بمهاجمة البرنامج الإيراني، لكن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية – رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، ورئيس الموساد، مئير داغان، ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين – منعوا الهجوم بعدما طالبوا الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، بالتدخل من أجل دفع نتنياهو وباراك إلى التراجع عن قرارهما.

بالأمس، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقرير نقلا عن مصادر مطلعة، جاء فيه إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طالب نتنياهو بالحضور إلى البيت الأبيض على وجه السرعة، مطلع الأسبوع الماضي، لإبلاغه بأنه يحظر على إسرائيل تنفيذ خطة جاهزة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وقد تُنفذ الشهر المقبل، وذلك بعد أن أبلغ مسؤولون في حكومة نتنياهو إدارة ترامب بهذه الخطة، التي تقضي بهجوم جوي وتوغل بري لقوات خاصة. وتوحي تقارير وتعقيبات إسرائيلية بأن نتنياهو، بواسطة مساعديه، هو الذي سرّب المعلومات للصحيفة الأميركية.

إذا كان هذا صحيحا، فإن لنتنياهو مصلحة في هذا التسريب. فهو يريد القول إنه سعى لمهاجمة إيران لكن الرئيس الأميركي منعه، لأن ترامب أعلن خلال اللقاء معه، الأسبوع الماضي، أنه سيدخل في مفاوضات مباشرة مع إيران حول اتفاق نووي جديد. وإلى جانب ذلك، التقارير التي تتردد حول رغبة ترامب بعدم إشعال حروب جديدة تكون الولايات المتحدة ضالعة فيها. وهجوم إسرائيلي في إيران يحتم تدخلا أميركيا لصد هجوم صاروخي إيراني لاحق، ليس بإمكان إسرائيل لوحدها صده، مثلما ثبت خلال هجوم إيراني كهذا، في نهاية نيسان/أبريل الماضي، عندما اعترض الجيش الأميركي والجيش البريطاني الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل.

ولعل الأمر الأهم في هذا الموضوع ونشره على الملأ هو ما الذي حصل عليه نتنياهو من ترامب مقابل منع مهاجمة إيران، وانصياع نتنياهو له. وعلى الأرجح أن يكون ترامب قد تعهد لنتنياهو بأنه لن يمارس ضغوطا جدية عليه من أجل وقف الحرب على غزة. فاستمرار الحرب هي مصلحة شخصية لنتنياهو، لأنها تضمن عدم زعزعة استقرار حكومته، ووقف الحرب من شأنه أن يسقطه عن الحكم إلى غير رجعة.

وأشار المسؤولون الأمنيون ذاتهم الذين تحدثوا إلى “يديعوت أحرونوت”، الأربعاء، إلى أن “إحباط ترامب خططا إسرائيلية لمهاجمة إيران، من شأنه أن يقود نتنياهو إلى الإيعاز بتعميق العملية العسكرية في غزة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى