هـل هـي حـرب بـلا نـهـايـة؟

هـل هـي حـرب بـلا نـهـايـة؟
2025 Apr,06
كلما مر الوقت تصبح الإجابة عن السؤال السابق أكثر صعوبة، إذ إن الأمور تزداد تعقيداً على الأرض. لم يكن أحد يتوقع أن تستمر الحرب لأشهر، فما بالك لسنة ونصف السنة دون وجود إشارات حول نهاية محتملة.
إسرائيل تواصل تدمير غزة وزلزلة أرضها واحتلالها وقتل المزيد من المدنيين، وباستثناء الخطة العربية حول اليوم التالي، فإن العالم لم يقدم تصوراً كيف تنتهي الحرب، وحتى الخطة العربية صارت شيئاً من الماضي في ظل عدم التعامل معها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. وخطاب وخطط التهجير التي تراجعت قليلاً عادت للواجهة بقوة هذه المرة، والمفاوضات حول التهدئة التي كانت سلوى وعزاءً وأملاً في الآن ذاته اختفت ولم يعد هناك إلا خطاب الحرب والمزيد من الحرب، وما لم يمكن تحقيقه بالقوة يتم تحقيقه بالمزيد من القوة.
ورغم تعالي الأصوات من داخل غزة التي تطالب بوقف الحرب، فإن «حماس» واجهت ذلك بالتخوين والقمع. وتلك المطالب، التي نبعت من رحم الألم والمعاناة وعبرت عن رأي الناس ورغبتهم في وقف كرة اللهب المتدحرجة التي تشعل النار في كل شيء، ليست أكثر من موقف من يعاني ويدفع الفاتورة دون أن يرى أي نهاية لهذه الحرب.
و»حماس» غير معنية وتغلق أذنيها لنبض وصوت الشارع الفلسطيني في غزة، ويطربها صوت مناضلي الكيبوردات في مقاهي العواصم العربية والشاشات في الخارج، وهذا أمر محزن؛ إذ كان يمكن لهذه التظاهرات أن تشكل حاضنة شعبية لأي موقف تأخذه «حماس» من لأجل إنهاء الحرب ووقف ما يجري، لكنها أيضاً غير معنية إلا بموقفها ومطالبها التي يمكن أمام أي قياس لواقع الأمر أن يقول المرء إنها من نتائج الحرب وليست سابقة عليه، بمعنى احتلال الجيش الإسرائيلي لغزة ومحور فيلادلفيا والمعابر وإعادة الإعمار، وباستثناء إطلاق سراح الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال وهذا مطلب جوهري ليس من مطالب «حماس» أي شيئاً سابقاً للحرب؛ بل نتيجة له، أما مطالب الناس بوقف الحرب من أجل أن ينجو من ظل حياً، ومن أجل أن يلملموا جراحهم ويدفنوا شهداءهم، فليس في حساباتها.
بالنسبة لنتنياهو، فقد أخذ كل الأسرى المدنيين الذين يشكل وجودهم خارج البيت مشكلة إنسانية بالنسبة له، خاصة من النساء والأطفال وكبار السن، فمجرد نجاح الفلسطينيين بأسرهم هو دليل على فشل الدولة وجيشها في حماية مواطنيها. لذلك كان نتنياهو متحمساً في البداية لأي صفقة يتم وفقها إخراج أسرى من داخل غزة، فالغاية كانت أن يتم تخفيف الضغط الشعبي عنه وبنفس القدر التحرر من العبء الإنساني والأخلاقي. هذا لا يعني أنه غير معني بالأسرى من الجنود، ولكن ليس بنفس القدر فهم في المحصلة جنود تم أسرهم خلال المعركة. لذلك فإن لهجة إسرائيل اختلفت في الشهر الماضي، حتى باتت عودتها لمفاوضات التهدئة قضية صعبة إلا إذا تدخل الوسيط الأميركي بطريقة مختلفة، ولكن أيضاً فإن الشروط والمطالب التي على «حماس» أن تنفذها ستكون أكثر تعقيداً؛ فهي لن تتوقف عند الإفراج عن الأسرى فقط، بل ستشمل تفكيك السلاح والانسحاب من المشهد بشكل كامل. بمعني أن فكرة الإفراج عن خمسة جنود أو عشرة لن تكون كافية. كما أن فكرة انتهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خارج غزة ستغدو صعبة في ظل ما تخطط له إسرائيل. ربما كان يجب وقف الحرب مبكراً جداً. وربما بعد التوصل للتهدئة الأولى في نهايات تشرين الثاني، بدايات كانون الأول من العام 2023 كان يجب على «حماس» أن تواصل الصفقة بأي ثمن، لم يكن وقتها القطاع قد تدمر عن بكرة أبيه، وكان يمكن لنا أن ننقذ حياة أكثر من خمسين ألفاً ونحافظ على قرابة مئتي ألف من الإصابة والبتر. الأشياء حين يتم فعلها في وقتها تكون صحيحة، وحين لا يتم فعلها في وقتها تصبح كارثة، والكارثة أكبر حين يتم رمي كل شيء وتعليقه على شماعة الاحتلال.
تغير خطاب الحرب أكثر من مرة ولكن هدف الحرب لم يتغير. لقد كانت غايات الحرب من البداية الإجهاز على غزة بشكل كامل، ولكن للأسف «حماس» لم تفهم كما أن الإقليم أدرك ذلك مؤخراً.
ولكن لو تذكرنا جيداً، فإن من أولى الخرائط التي نشرها الجيش الإسرائيلي في تشرين الأول كانت تشير لشريط ساحلي ضيق في رفح حيث يتم تجميع السكان فيه من كل مناطق قطاع غزة. وتذكروا مقولات قادة الجيش والحكومة في اليوم الأول للحرب من باب «سنعيد غزة خمسين عاماً للوراء»، و»يجب تقليص عدد سكان غزة إلى أقل من النصف»، و»غزة لا يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل لثلاثين سنة قادمة». ما أقوله: صحيح أن ترامب أعطى الضوء الأخضر للمزيد من الإبادة، ولكن الخطة كانت تل أبيب من وضعتها وتفوّه بها ترامب. هل يمكن لأحد أن يقول إنه لولا حرب غزة لم يعد ترامب للبيت الأبيض؟ طبعاً وبلا تردد كان لموقف بايدن ومرشحته كامالا هاريس المتردد والمتخاذل دور كبير في دفع المسلمين والعرب وغيرهم للتصويت لرجل قوي وحازم أمام عجز هاريس عن الخروج من عباءة الرجل العجوز، رئيسها السابق.
في اللحظة التي تنتهي فيها إسرائيل من إفراغ غزة من سكانها، فإن الخطوة القادمة ستكون الضفة الغربية وبعد ذلك سيناء، والحبل على الجرار كما يقول المثل الفلسطيني. الأمر ليس مجرد ردة فعل إسرائيلية على ما جرى في السابع من تشرين الأول، إنها ما وصفه نتنياهو بتغير شامل في الشرق الأوسط. وبالتوازي مع تصفية غزة وقطع رأسها، ستتم مهاجمة إيران عاجلاً أم آجلاً، أو إحداث تغيير في طبيعة الحكم فيها. كل شيء يجب أن يتغير. وعلينا أن نتخيل أن قطاع غزة بمساحته، التي هي أصغر من مساحة الكثير من عواصم العالم، كان نقطة البداية لتغيرات مهولة كثيرة في الإقليم حوله، لكن علينا أن نتيقن أن موقفاً فلسطينياً جماعياً يمكن له أن ينقذ ما تبقى لنا، على وجع وقلة ذلك.