واشنطن بوست: هجوم “إسرائيل” على جنين بداية لمرحلة من النزاع الطويل
كتب المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس مقالا حول الأحداث الأخيرة في جنين، والتي قال إنها تنذر بالمرحلة القادمة من النزاع الذي لا ينتهي. ونقل الكاتب عن مسؤول إسرائيلي، يقول إنه شاركه في الأسبوع الماضي تحذيرا كئيبا وهو “المسلحون الفلسطينيون سيطروا على جنين وأن الجيش الإسرائيلي على حافة القيام بغزو المدينة. وقال إنه لا القوات الإسرائيلية أو الفلسطينية كانت قادرة على وقف تصاعد العنف هناك. وكان اعترافا بالفشل”.
وبعد أيام هاجم الجيش الإسرائيلي المدينة بالعربات المصفحة والمسيرات والصواريخ، وبدأت الجولة الأخيرة من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وهذه، مثل غيرها من المعارك بين هؤلاء الأعداء ستزيد بالتأكيد من المعاناة، بدون تقديم أي نوع من الهدوء في القتال.
وأعلنت إسرائيل يوم الثلاثاء، أن قواتها انسحبت من جنين و “لكن قد يكون هذا بداية لدوامة من العمل العسكري الإسرائيلي والرد”. وقال إغناطيوس “عندما يتعلق الأمر بالحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، لا شئ ينافس حلقة الدمار والموت المستمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكصحافي غطى العنف الدائم ولأكثر من 40 عاما وكذلك عملية السلام الفاشلة، فلم يعد لدي مقترحات تحمل الأمل، ولكن هذه بعض التعليقات حول الطريقة التي وصلنا فيها إلى الجولة الأخيرة”.
فعندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، انضمت الولايات المتحدة إلى بقية أعضاء مجلس الأمن وصادقت على قرار 242، وهو قرار من الجيد الإشارة إليه في ظل حرب أوكرانيا “تأكيدا على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بقوة الحرب والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم تعيش فيه كل دولة بالمنطقة بأمن”. ونص القرار على “انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير”. لكن القرار لم يحدد معنى الأراضي التي يجب أن تنسحب منها إسرائيل، وفتح المجال أمام الجدال بين الإسرائيليين والفلسطينيين: لم يطالب القرار الانسحاب من كل الأراضي التي احتلت بل من “أراضي”.
وعندما وسعت إسرائيل الأراضي المحتلة في حرب 1973، ردت الأمم المتحدة بقرار 338 الذي تحدث عن “مفاوضات ستبدأ بين الأطراف المعنية وبرعاية مناسبة تهدف إلى بناء سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط”. وأدت قرارات الأمم المتحدة هذه إلى محاولات جيلية من الرؤساء الأمريكيين ودبلوماسييهم بحثا عن تسوية.
ولا حاجة هنا إلى ذكر التفاصيل، فهناك اتفاقية كامب ديفيد في ظل جيمي كارتر وخطة رونالد ريغان عام 1982 ومؤتمر مدريد في ظل إدارة جورج هيربرت بوش وخطة جورج دبليو بوش، عندما كان إيهود أولمرت، رئيسا للوزراء و “معايير” باراك أوباما للسلام واتفاقيات إبراهيم في ظل إدارة دونالد ترامب. وفشلت كل هذه المبادرات ولسبب أساسي وبسيط، فلم يكن أي طرف مستعد للمخاطرة بعملية تقود إلى تنازلات.
لم يوافق الفلسطينيون على الخطط خشية إغضاب المتشددين، أما الإسرائيليون، فقد ترددوا في الموافقة على شروط تؤدي إلى الانسحاب من الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وإغضاب المستوطنين المتطرفين.
وخاف كل طرف من أن يكون ثمن السلام هو حرب أهلية. وكان الفلسطينيون في هذه العقود من أكبر الخاسرين في التاريخ الحديث؛ فقد رفض رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات وخليفته محمود عباس مقترحات كانت ستقود إلى ولادة دولة فلسطينية مزدهرة، وبدلا من التنازل اختاروا الكرامة والنزاع الدائم.
وتعتبر جنين رمزا للفشل لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. فمن ناحية الفلسطينيين، كان عباس وسلطته الفلسطينية مسؤولين عن الأمن هناك، ولكنهم لم يكونوا خلال السنوات الماضية، قادرين. وكانت حكومة عباس فاسدة وعاجزة. وكان فشلها سببا في ظهور جماعات مسلحة. ويعتبر الأمن، مشكلة خاصة لجنين، وهي مركز معروف للمقاومة الفلسطينية. وعلى الرغم من سنوات التدريب الطويلة على يد سي آي إيه والدعم الهادئ من شين بيت، فقد كان ينقص قوات الأمن الفلسطينية بقيادة ماجد فرج، النيران الكافية أو الإرادة لمواجهة النمو المتزايد لحماس والجهاد الإسلامي. ولم يعد ممكنا دخول مركز مخيم جنين، بحسب المسؤولين الإسرائيليين، وصار مركزا للهجمات ضد إسرائيل. وزادت الأخيرة من النيران، لأنها رفضت السيطرة وضبط التوسع الاستيطاني، فقد هدد الأمريكيون واحتجوا وحاولوا التودد، لكن المستوطنات التي سكن معظمها مستوطنون يعتبرون الضفة ملكهم زادت.
و”عندما تتجول في الضفة الغربية هذه الأيام تشعر أن الدولة الفلسطينية هي فتنازيا، ورغم رغبة الطرفين في واحدة، إلا أنه لم يتبق أرض كافية في مناطق صغيرة منقطة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية. ومن هنا فأزمة جنين هي مذاق أولي لما سيأتي، فعندما يخرج عباس، 87 عاما من المشهد، فربما تداعت السلطة الوطنية للاشيء، وربما قررت إسرائيل العودة إلى السيطرة الكاملة كقوة احتلال، مما يعني انتفاضة فلسطينية شاملة. وقال مسؤول أمني إسرائيلي “انتفاضة فلسطينية قادمة ستكون كارثة على الفلسطينيين والدولة اليهودية”. وقال “يجب أن تكون أولوية الإدارة الإسرائيلية سلطة فلسطينية مزدهرة بمستشفيات ومؤسسات أكاديمية وإمكانات غير محدودة للجيل الشاب”.
مسؤول أمني إسرائيلي: “انتفاضة فلسطينية قادمة ستكون كارثة على الفلسطينيين والدولة اليهودية”.
وأخبر مسؤولون إسرائيليون الكاتب أنهم يأملون بمساعدة الدول العربية المعتدلة بقيادة كل من مصر والأردن على بناء سلطة وطنية قوية بعد عباس. ولكن، لماذا تقوم أي دولة عربية بهذه المهمة التي لن تشكر عليها، في وقت تقاد إسرائيل حكومة متطرفة مؤيدة للاستيطان؟ وعندما تهاجم إسرائيل جنين أو تقوم بشن واحد من هجماتها المتقطعة على غزة، يعتقد المسؤولون أنهم قادرون على دفع الفلسطينيين إلى التصرف بمسؤولية، ولو كانت القوة ستنجح بقمع المسلحين لكانت نجحت منذ وقت طويل. ولكن الناس الذي يشعرون أنه لم يتبق لديهم سوى كرامتهم، لن يتخلوا عنها حتى في وجه القوة العسكرية الضاربة.
ولو كانت القوة ستنجح بقمع المسلحين لكانت نجحت منذ وقت طويل. ولكن الناس الذي يشعرون أنه لم يتبق لديهم سوى كرامتهم، لن يتخلوا عنها حتى في وجه القوة العسكرية الضاربة.
ويقول إغناطيوس: “قبل 21 عاما عشت مدة أسبوع في بلدة فلسطينية بالضفة الغربية اسمها حلحول، وذلك لمعاينة ما تعني الحياة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وتبدو وكأنها عصر ذهبي اليوم، فترة هادئة وفيها أمل أيضا، وأكثر ما أتذكر هو شعور الرضا العميق للعائلة التي كنت أسكن عندها، لما كانت تنام على سطح بيتها الصغير. وقال كبير العائلة حمادة الكشكيش “هذا الأفضل”، تحت فراش من النجوم.
واليوم هناك مستوطنة كبيرة فوق التلة وسياج عال لحماية المستوطنين من الفلسطينيين الغاضبين قريبا منهم”.