اخبار

جـنـيـن يـا جـنـيـن…ريما كتانة نزال

لدى توقيعي كتاب «خالد في حياتي» الذي ضم بين دفتيه سردية حياتي مع رفيق دربي الشهيد خالد نزال، كانت جنين ومخيمها المناضل تحت النار وعرضة لكل آلات القتل والفتك والدمار، وأعلنت باقي المحافظات الإضراب ما دفع البعض إلى ترجيح تأجيل الفعالية، الأمر الذي عارضته لعدم قناعتي بمبدأ الإضراب كشكل وحيد من أشكال التضامن والتعاطف مع جنين ومخيمها، وبخاصة حين ينفصل الإضراب عن الفعاليات والأنشطة النضالية والتضامنية الملموسة، بل رأيت أننا بحاجة إلى ابتداع أشكال أخرى من الإسناد والتفاعل بعيداً عن سحب المواطنين من الشوارع والأنشطة المطلوبة تجاه واقع ما تتعرض له المدينة ومخيمها البطل، أو اقتراح البدائل العملية لإبداء التضامن وانخراط المواطنين فيها وهي عديدة ومتنوعة بفعل الاحتياجات والضرورات، ومنها فعالية توقيع الكتاب المتصل جذرياً بما يحدث في جنين، فكلاهما من نسيج واحد، قصة حياتنا مع ممارسات الاحتلال، الاعتقال والإبعاد والاغتيال والإعدام. والمقاومة التي ما انطفأت جذوتها منذ الستينيات وحتى الآن، فالذي أعدم خالد نزال وأبو جهاد والشيخ ياسين وأبو علي مصطفى والشقاقي هو من أعدم الخازم والجرار والسعدي والجلامنة والطوالبة وزكارنة والسباعنة وأبو الوفا وأبو ذيبة وحنون ومرشود والشامي والعرعراوي والغول وقاسم ومقبول وشاهين وعبد الجواد والقائمة تطول وتطول، وسوف تطول حتى دحر الاحتلال وانتزاع الحرية.
فالمشترك بين اجتياح جنين وباقي المناطق وارتقاء الشهداء يؤكد ما كان سابقا وما زال قائما وهو أن رأس المقاومة مطلوب؛ وما زال مطلوباً، داخل الوطن وخارجه منذ بدء المشروع الاستيطاني الكولونيالي وتطبيقه من خلال المجازر والتهجير منذ عام النكبة العام 1948 وحتى اليوم. واشتد بعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وخاصة قبل أوسلو، وفيها لجأ إلى عمليات الاغتيال وملاحقة المقاومين في كل مكان، علاوة على العمليات الحربية الشاملة للقضاء على المقاومة الفلسطينية وتنظيماتها وقياداتها في الخارج، واستمر استهداف المقاومين في جميع المراحل التي تلت توقيع اتفاق أوسلو لذات الأهداف حيث أعيد احتلال الضفة الغربية في العام 2002 للقضاء على تشكيلات المقاومة، عندما خُصّ مخيم جنين بحملة هي الأشرس، دمّر فيها الاحتلال المخيم وبنيته التحتية وأعدم العشرات من أبنائه وبناته، حيث استبسل المخيم في الدفاع عن نفسه فكبّد الاحتلال خسائر فادحة سعّرت نزعته الوحشية للانتقام.
عمليات الاجتياح والقتل تواصل تجوالها في جميع المدن والمخيمات والقرى في المرحلة الراهنة، بهدف إنهاء المقاومة وإزالة العقبات التي تعترض تنفيذ المشروع. فاغتيال الشيخ عز الدين القسام في الثلاثينيات من القرن الماضي جاء لتمهيد الطريق أمام الهجرة الصهيونية وإحلال القادمين الجدد من الغزاة مكان الفلسطينيين الأصلانيين، ثم اغتيل خالد نزال في الخارج في ثمانينيات القرن الماضي للقضاء على أحد أبرز قادة المقاومة والمخططين لنشرها داخل الوطن، واغتيل أبو علي مصطفى كرمز ورأس قيادي لتكبيد الشعب والحركة الوطنية والفصيل الذي يقوده ثمن المقاومة الناهضة التي طالت رأس داعية الترانسفير، واغتيل 52 شهيداً ارتقوا في مخيم جنين في العام 2002 في إطار عملية «السور الواقي»، جميعهم عناوين للمقاومة ورأسها القيادي في جنين.
تزامنت فعالية توقيع الكتاب مع استهداف جنين كأحد عناوين المقاومة، حيث أبرز الكتاب قضية تحول الشعب وطلائعه المناضلة إلى مشاريع شهادة، وتحولت أعمال الفلسطينيين وحركتهم بين الحواجز والطرق الالتفافية والقاطنين قرب الجدران والمستوطنات إلى أعمال نضالية، فكيف حين تُقصف البنايات السكنية في قطاع غزة وتهدم على رؤوس أصحابها، كما وقع مع العروس دانية عدس التي استشهدت قبل يومين من زفافها على فاروق سلامة، كما استشهد المشتبك المحرر محمد الونة من جنين قبل زفافه على ديالا الونة وكما وقع مع الشهيدة عائشة الرابي التي استشهدت برصاصة أطلقها مستوطن قرب سلفيت بينما كانت تجلس بالسيارة بجوار زوجها في الوقت الذي استشهد قبلها شقيقها فوزات بولاد قبل عرسه بساعات..
وستبقى الفلسطينيات يَقتَرِنّ بمشاريع شهادة ومشاريع الأسرى، سابقاً ولاحقاً وعلى مر الزمان طالما بقي الاحتلال جاثما على أرضنا ومتحكما في حياتنا ومصائرنا، أو أن الفلسطينيات قد قررن الاقتران بالمستقبل الوطني وبالمشروع الوطني الفلسطيني ممن أمسكوا بيدهم مشاعل الحرية والتحرير، الذين يعملون على استرداد وطنهم بالمقاومة فكان على الأمهات والزوجات والأخوات الاحتفال بعودة المقاومين المطلوبين إلى منازلهم يوميا، خروجهم وداع وعودتهم احتفال..
انه الحب في زمن الاحتلال و»الأبارتهايد» والمقاومة، في واقع لخصه شاعرنا الكبير محمود درويش: «هذا هو العرس الذي لا ينتهي، في ساحة لا تنتهي، في ليلة لا تنتهي، هذا هو العرس الفلسطيني، لا يصل الحبيب إلى الحبيب، إلا شهيدا أو شريدا…».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى