| الملكة رانيا العبدالله: غزة هي العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي

- الملكة رانيا: حديث حول ضرورة إعادة النظر بمعنى التقدم الإنساني، في ظل ما كشفته مأساة الحرب على غزة من تحديات للمفاهيم العالمية السائدة
- الملكة رانيا العبدالله: التحضّر لا يُقاس بالناتج المحلي، بل بكيفية تعاملنا مع الآخرين في أوقات الشدة
نشرت الملكة رانيا العبدالله، مساء الجمعة، على صفحتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، مشاركتها في مؤتمر “سيغلو المكسيك (القرن الواحد والعشرين)” بمدينة مكسيكو.
وتحدثت الملكة رانيا خلال المؤتمر عن ضرورة إعادة النظر في معنى التقدم الإنساني، في ظل ما كشفت عنه مأساة الحرب على غزة من تحديات للمفاهيم العالمية السائدة، مشددة على أهمية استلهام القيم من ثقافاتنا.
وتاليا تغريدة الملكة: “اليوم في مؤتمر سيغلو المكسيك (القرن الواحد والعشرين)، بمدينة مكسيكو وحديث حول ضرورة إعادة النظر بمعنى التقدم الإنساني، في ظل ما كشفته مأساة الحرب على غزة من تحديات للمفاهيم العالمية السائدة، وأهمية استلهام قيمنا من ثقافاتنا”.
وقالت جلالة الملكة رانيا العبدالله إن غزة اليوم تشكل العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي ويجب إعادة تقييم الأسس التي تبنى عليها معايير التحضر والقيادة للمجتمعات ليس بالنسبة للشرق الأوسط فقط، ولكن للكثيرين حول العالم، واصفة حجم الدمار في غزة بأنه “كارثي”.
جاء ذلك في كلمة لجلالتها أمام حشد كبير من الشباب طلبة الجامعات في المكسيك خلال مؤتمر سيغلو المكسيك (القرن الواحد والعشرين)، الذي يُعد أحد أكبر الفعاليات الشبابية السنوية وتُنظمه مؤسسة تيلمكستلسيل الخيرية.
وفي كلمتها قالت جلالة الملكة إن: “حجم الدمار الذي نشهده في غزة كارثي، الوحشية فيه واضحة ولا يمكن إنكارها. منازل وتواريخ تسحق تحت الركام… عشرات الآلاف من الأشخاص قتلوا. إسرائيل تجوع شعباً بأكمله تحت حصار يقطع عنه كل شرايين الحياة. أطباء منهكون من الجوع يكافحون لعلاج المصابين وسط نقص حاد في الإمدادات. وصحفيون شجعان يغطون الأحداث من الخطوط الأمامية يُقتلون دون محاسبة”.
مضيفة أن غزة اليوم بالنسبة لكثيرين حول العالم، تشكل تحدياً لوجهات النظر السائدة والافتراضات الأساسية والمسَلَّمات، وتدفع الناس للتساؤل حول الروايات التي تفرض كحقائق غير قابلة للنقاش، و”تكشف كيف يمكن تحريف الحقائق وتبرير المعاناة التي لا توصف، وتجريد شعب بأكمله من إنسانيته”.
وفي ذات السياق دعت جلالتها إلى وقفة تأمل صادقة لإعادة تقييم الأسس التي تبنى عليها القيم الأخلاقية في مواجهة ما وصفته بـ “ضعف الحس الأخلاقي الذي يطغى على عالم تعمه الفوضى والتشتيت والضجيج”، وضرورة إعادة تقييم تعريف المجتمعات للتقدم والقيادة والأسس التي يبنى عليها ذلك، “فلا يوجد عالم يمكن فيه تبرير قصف المستشفيات، أو تجويع الأطفال، أو إطلاق النار على أناس يسعون إلى المعونة”.
كما أشارت جلالتها خلال الكلمة إلى أنه “في عالم يساوي بين القوة الاقتصادية والتفوق الأخلاقي، كثيراً ما يستهان بالدول النامية والناشئة، وهذا تضليل”. مبينة أن التنمية لا تعني التحضر بالضرورة، وأن التحضّر لا يُقاس بالناتج المحلي، بل بكيفية تعاملنا مع الآخرين، خاصة في أوقات الشدة.
وأضافت بدلاً من أن نقيس قيمتنا من خلال التصنيفات العالمية للاقتصاد والنفوذ، علينا أن نحتكم إلى حقيقتنا الداخلية وقيمنا وإحساسنا بما هو صواب، وقالت “في الأردن نحن فخورون بإرثنا، وبقوّته وكرامته وعمقه”، مبينة أن “الأردن فتح أبوابه للملايين ممن شُردوا بسبب النزاعات. وتحدث باسم السلام، ووقف إلى جانب المهمّشين. والمكسيك أيضاً، سعت لفعل الخير، وقدّمت الملاذ والصوت لمن لا ملجأ لهم”.
وتطرقت إلى أهمية الحفاظ على القيم الإنسانية المشتركة، مبدية إعجابها بالشباب حول العالم، الذين رفضوا الصمت أمام معاناة الفلسطينيين، ووصفت مواقفهم بأنها “تجسيد للشجاعة الأخلاقية في عالم تائه”، قائلة: “وسط المعاناة التي رأيناها في فلسطين، تأثرت بشدة بردود أفعال كثيرين حول العالم ممن رفضوا السكوت. أناس خاطروا بتعليمهم، بسمعتهم، وسبل معيشتهم ليُعطوا صوتاً لأُناس لم يلتقوا بهم قط. وكيف أن الشباب، على وجه الخصوص، نهضوا وتكاتفوا لأنهم يرون بأعينهم أن هذه المعاناة الكارثية لا تمت للإنسانية بصلة”. وأشارت أن الحديث بصوت عالٍ حين يسود الصمت، هو جوهر ما يجعلنا بشراً في عصر يُختزل فيه الإنسان إلى مجرد أرقام وبيانات.
وأضافت “بالنسبة لي، إيماني هو مرساي الأخلاقي. الإسلام يعلّمنا الرحمة، والعدل، والكرم، وكرامة الإنسان. وهذه ليست مجرد مبادئ، بل أفعال تُشكّل حياتنا اليومية”. وخاطبت الحضور من الشباب بالقول “مهما كان مرساك الأخلاقي، ابحث عنه وتمسك به. سيساعدك على التعلّم من الآخرين دون أن تنتقص من نفسك.”
واختتمت جلالة الملكة كلمتها باقتباس من القرآن الكريم للآية 46 من سورة الحج: “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” صدق الله العظيم.
مشيرة إلى أن القلوب التي تحمل الرحمة والحكمة الإنسانية قد تكون عمياء في لحظة. لكنها قادرة على اكتساب البصيرة في اللحظة التي تليها، إن شئنا ذلك. وأن الإنسان مسؤول عن قلبه، ووعيه، وخياراته. ويمكنه دوماً أن يعود إلى فطرته الأخلاقية، إن قرر أن يرى بصدق.
وكانت هذه الجلسة المخصصة لجلالة الملكة قد استهلت بكلمة ترحيبية من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة تيلمكس (Telmex) السيد كارلوس سليم، تلتها فقرة تعريفية سلطت الضوء على سيرة جلالة الملكة وإنجازاتها في مجالات التعليم وحقوق الإنسان والتنمية.
وشهدت الجلسة تفاعلاً كبيراً من الحضور، وتلا الكلمة حوار مفتوح مع جلالتها ناقش قضايا الفرص والمخاطر التي تطرحها التكنولوجيا الحديثة، والتنوع الثقافي والتعايش، والاضطرابات السياسية العالمية وتحديداً القضية الفلسطينية والحرب على غزة، وأهمية الحوار بين الثقافات وتوضيح مفاهيم مغلوطة حول الإسلام، وقضايا المرأة، إضافة إلى استعراض تجارب شخصية لجلالة الملكة.
ويهدف مؤتمر سيغلو المكسيك (القرن الحادي والعشرين) إلى تمكين الطلبة الجامعيين المتفوقين الحاصلين على منح دراسية من مؤسسة تيلمكستلسيل الخيرية، عبر لقاءات ملهمة مع شخصيات عالمية بارزة في مجالات مختلفة.