| بعد 32 عاماً على توقيعها: كنيست الاحتلال يصوّت لصالح ضم الضفة الغربية، معلناً نهاية “أوسلو” وحل الدولتين

- الكنيست يمرر مشروع الضم.. والسلطة: هذا إعلان صريح بموت عملية السلام
- احتفى وزراء من اليمين في كيان الاحتلال بالقرار، حيث دعا رئيس الكنيست أمير أوحانا إلى “فرض السيادة فوراً ودون تردد”
- تحولت أوسلو، كما يصفها تقرير لـ”مجموعة الأزمات الدولية”، إلى “آلية لإدارة الاحتلال”
في خطوة وصفتها القيادة الفلسطينية بأنها “إعلان موت أوسلو تحت جنازير الدبابات”، صوّت كنيست الاحتلال في 23 يوليو/تموز 2025 على مشروع قانون يدعم فرض سيادة كيان الاحتلال على الضفة الغربية وغور الأردن.
ويأتي هذا القرار، الذي حظي بموافقة 71 نائباً، ليمثل تتويجاً لمسار طويل من تآكل عملية السلام التي انطلقت بتفاؤل كبير في واشنطن في 13 سبتمبر/أيلول 1993، حين وقّع كيان الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو، والتي كان يُفترض أن
تمهد الطريق لإنهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
اتفاقية أوسلو: حلم الدولة المؤجل
وفقاً لنصها الرسمي المودع لدى الأمم المتحدة (الوثيقة A/48/486)، هدفت اتفاقية “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي” إلى تأسيس سلطة حكم ذاتي فلسطينية لمرحلة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، تُفضي إلى تسوية دائمة مبنية على قراري مجلس الأمن 242 و338.
وتضمنت الاتفاقية أسساً واضحة:
- إنشاء مجلس تشريعي فلسطيني منتخب.
- تشكيل قوة شرطة فلسطينية لحفظ الأمن الداخلي.
- بدء مفاوضات الوضع النهائي بحلول عام 1996 لحل قضايا القدس، اللاجئين، المستوطنات، والحدود.
وبموجب اتفاقية أوسلو الثانية (طابا) الموقعة عام 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إدارياً وأمنياً إلى ثلاث مناطق (وثيقة الأمم المتحدة A/51/889):
المنطقة (أ): سيطرة فلسطينية كاملة (18% من الضفة).
المنطقة (ب): سيطرة إدارية فلسطينية وأمنية للاحتلال (22%).
المنطقة (ج): سيطرة كاملة للاحتلال (60%)، وهي المنطقة التي تضم معظم المستوطنات والمناطق العسكرية.
مسار طويل من التآكل: من التفاؤل إلى انهيار الأفق السياسي
شهدت العقود الثلاثة الماضية تراجعاً منهجياً عن أسس الاتفاقية، ففي الفترة بين 1993 و2000، ورغم تأسيس السلطة الفلسطينية، استمر التوسع الاستيطاني بوتيرة متسارعة، حيث ارتفع عدد المستوطنين بنسبة 240%، من 110,000 إلى 270,000 مستوطن، بحسب منظمة “السلام الآن” التابعة للاحتلال، مما قوض إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً.
وانتهت هذه الفترة بفشل قمة كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية التي خلفت آلاف الشهداء من الفلسطينيين واجتياح كامل لمدن الضفة الغربية ومناطق “أ”، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة عام 2005.
خلال العقد التالي (20002010)، عمّق كيان الاحتلال من سيطرته على الأرض عبر بناء جدار الفصل العنصري الذي بدأ عام 2002، والذي صادر 8.5% من أراضي الضفة، حسب “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (OCHA).
وبالرغم من الانسحاب الأحادي من غزة عام 2005، واصل كيان الاحتلال توسيع المستوطنات في الضفة بنسبة 20% إضافية، وفقاً لـ”السلام الآن”.
وشهدت هذه الفترة الانقسام الفلسطيني بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، مما أضعف الموقف الفلسطيني بشكل كبير، كما أشار تقرير لـ”مجموعة الأزمات الدولية” (International Crisis Group) عام 2008.
أما العقد الأخير (20102020)، فقد شهد انهياراً شبه تام للأفق السياسي مع توقف المفاوضات التي قادها جون كيري (20132014)، وطرح “صفقة القرن” الأمريكية التي تبنت رؤية الاحتلال للضم، وتوقيع “اتفاقيات أبراهام” التي أضعفت الإجماع
العربي حول مركزية القضية الفلسطينية، بحسب “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”.
ماذا كان يفترض أن يحدث؟ وماذا حدث بالفعل؟
كان من المفترض، وفقاً لنص أوسلو، أن يشهد عام 1999 نهاية المرحلة الانتقالية وبدء التسوية النهائية ، كان المتوقع أن ينسحب كيان الاحتلال من معظم أراضي الضفة، وتُنقل الصلاحيات للسلطة الفلسطينية، وتُحسم قضايا الحل النهائي.
لكن ما حدث على أرض الواقع كان مغايراً تماماً، فلم يُكمل كيان الاحتلال إعادة الانتشار، وبقيت المنطقة “ج” (60% من الضفة) تحت سيطرته الكاملة، وتحولت أوسلو، كما يصفها تقرير لـ”مجموعة الأزمات الدولية”، إلى “آلية لإدارة الاحتلال” حيث
أصبحت السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الخدمات المدنية دون أي سيادة حقيقية.
رصاصة الرحمة على حل الدولتين
يأتي قرار كنيست الاحتلال الأخير في 23 يوليو/تموز 2025 ليرسم نهاية رمزية وعملية لمسار أوسلو.
ووصف حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، القرار بأنه “إعلان رسمي لموت أوسلو ورفض لمبدأ الأرض مقابل السلام”.
سياسياً، يُقوّض القرار أي إمكانية متبقية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، إذ يدعم ضم مناطق تشكل أكثر من 60% من الضفة الغربية، بما في ذلك غور الأردن الاستراتيجي، وفقاً لتحليل منظمة “السلام الآن”.
وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة في بيان صدر في 24 يوليو/تموز 2025 من أن “الاستيطان والضم يقضيان على حل الدولتين”.
ردود فعل غاضبة ومستقبل غامض دانت السلطة الفلسطينية القرار بشدة، واعتبرته “اعتداءً سافراً على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف”، مجددة دعوتها للمجتمع الدولي للاعتراف الفوري بدولة فلسطين على حدود عام 1967.
كما صدرت إدانات عربية ودولية، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الأردنية في بيان لها أن “أي خطوة أحادية لضم أراضٍ فلسطينية محتلة تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتقوض فرص السلام العادل”.
في المقابل، احتفى وزراء من اليمين في كيان الاحتلال بالقرار، حيث دعا رئيس الكنيست أمير أوحانا إلى “فرض السيادة فوراً ودون تردد”.
من أمل السلام إلى واقع الدولة الواحدة بعد أكثر من ثلاثة عقود، تبدو اتفاقية أوسلو مجرد حبر على ورق. لقد تحول الأمل الذي ولدته في إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى واقع مرير لدولة واحدة يسيطر فيها كيان الاحتلال بشكل كامل على الأرض، مع حرمان
الفلسطينيين من حقوق متساوية، وهو ما وصفته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها لعام 2021 بأنه نظام “أبارتهايد”، وعلية فإن قرار كنيست الاحتلال الأخير لا يغلق الباب أمام حل الدولتين فحسب، بل يضع الفلسطينيين والمجتمع الدولي أمام تحدي
البحث عن مسارات جديدة لمواجهة واقع بات يهدد الاستقرار في المنطقة بأسرها.