| للنجاة من السجن.. نتنياهو يحرق المنطقة ويغرق كيان الاحتلال في مستنقع الفوضى والدم

- تستمر محاكمة نتنياهو في المحكمة المركزية بالقدس في قضايا الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة
بينما يغرق الشرق الأوسط في دوامة من العنف، وتواصل آلة الحرب عدوانها على قطاع غزة وتفتح جبهات أخرى، يخوض رئيس وزراء كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، معركة داخلية لا تقل ضراوة؛ إنها معركة البقاء السياسي والنجاة الشخصية من شبح الإدانة والسجن في سلسلة من قضايا الفساد الخطيرة التي تلاحقه منذ سنوات.
في مشهد سريالي، يتنقل نتنياهو بين إدارة العمليات العسكرية وحضور جلسات محاكمته، ليطرح تساؤلاً جوهرياً: هل أصبح استمرار العدوان والفوضى الإقليمية طوق نجاة لزعيم يواجه أخطر أزمة في مسيرته؟
أولاً: المستنقع القضائي
تضيق الدائرة القضائية حول نتنياهو على جبهتين متوازيتين، كل واحدة منهما كفيلة بإنهاء مستقبله السياسي.
الجبهة الداخلية (ملفات الفساد)
تستمر محاكمة نتنياهو في المحكمة المركزية بالقدس في قضايا الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة (الملفات 1000، 2000، 4000). ورغم المحاولات المتكررة من فريق دفاعه لتأجيل الجلسات بحجة “متطلبات الحرب”، وثّقت وسائل الإعلام العبرية قرارات قضائية حديثة في أواخر يونيو 2025 ترفض هذه المطالب وتصر على استئناف جلسات الاستجواب المضاد لنتنياهو.
يعتبر هذا الإصرار القضائي مؤشراً على أن القضاة يسعون لمنع استخدام الحرب كذريعة لا نهائية لتعطيل العدالة، مما يزيد الضغط على رئيس الوزراء الذي بات يظهر في المحكمة كمتهم لعدة أيام في الأسبوع.
الجبهة الدولية (جرائم الحرب)
الأخطر من ذلك هو انتقال المعركة القضائية إلى الساحة الدولية. ففي تطور تاريخي، أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. هذا الإجراء، الذي وصفه نتنياهو بأنه “فضيحة ذات أبعاد تاريخية”، يضعه على قائمة المطلوبين للعدالة الدولية ويقيد حركته بشكل كبير، كما يمثل ضربة قاصمة لصورة كيان الاحتلال على المسرح العالمي.
ثانياً: ائتلاف على حافة الهاوية ابتزاز يميني وقنبلة “التجنيد”
يعتمد بقاء نتنياهو في السلطة على ائتلاف هو الأكثر تطرفاً في تاريخ كيان الاحتلال، لكن هذا الائتلاف نفسه يعاني من تصدعات عميقة تهدد بانهياره في أية لحظة.
ابتزاز اليمين المتطرف: وثّقت هيئة البث العبرية وغيرها من وسائل الإعلام كيف أن وزيري المالية والأمن القومي، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يستخدمان حق “الفيتو” على أي قرار لا يروق لهما، خاصة فيما يتعلق بصفقات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
لقد أصبح من المعروف أن نتنياهو أفشل فرصاً للتوصل إلى اتفاقات، خوفاً من انسحاب شركائه المتطرفين الذين يربطون بقاءهم السياسي باستمرار العدوان وتحقيق “نصر مطلق”.
قنبلة تجنيد “الحريديم”: إلى جانب العدوان، انفجرت أزمة داخلية كبرى حول قانون إعفاء اليهود المتدينين (الحريديم) من الخدمة العسكرية. فمع استنزاف العدوان على غزة للجيش وحاجته الماسة للجنود، ترفض الأحزاب الدينية في الائتلاف أي مساس بوضع طلاب المدارس الدينية، بينما يطالب وزراء من داخل حزب الليكود نفسه، وحتى من المعارضة، بـ “تقاسم الأعباء”.
وقد هددت هذه الأزمة، وفقاً لمحللين في صحيفة “هآرتس”، بـ “تفجير الحكومة من الداخل”.
ثالثاً: الجبهة الداخلية تثور صرخة الشارع وتدخل ترمب
استعادت حركة الاحتجاج ضد نتنياهو زخمها بقوة، حيث بات عشرات الآلاف يتظاهرون أسبوعياً في تل أبيب والقدس وحيفا، مطالبين بإعادة الأسرى ووقف العدوان وإجراء انتخابات جديدة.
وتمثل عائلات الأسرى القوة الدافعة الأبرز لهذه الاحتجاجات، حيث تتهم حكومة نتنياهو صراحة بأن “مصالحها السياسية” حالت دون عودة ذويهم.
وفي تطور لافت وموثق، حصل نتنياهو على دعم خارجي في معركته القضائية. ففي أواخر يونيو 2025، طالب الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب، في منشور علني، بإلغاء محاكمة نتنياهو فوراً، واصفاً إياها بـ “الاضطهاد القضائي”.
هذا التدخل أثار عاصفة داخل كيان الاحتلال، حيث اعتبره المعارضون مساساً خطيراً باستقلالية القضاء، ودليلاً على أن نتنياهو مستعد لربط مصير علاقات كيان الاحتلال الاستراتيجية بمصيره الشخصي.
رابعاً: الثمن الباهظ للبقاء نزيف اقتصادي لا يتوقف
إن بقاء نتنياهو في السلطة عبر إطالة أمد العدوان له تكلفة اقتصادية فادحة وموثقة بالأرقام الرسمية:
التكلفة المباشرة: قدرت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية تكلفة العدوان على اقتصاد كيان الاحتلال بنحو 250 مليار شيكل (حوالي 67.5 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024.
عجز الموازنة: أعلنت وزارة مالية كيان الاحتلال أن الإنفاق العسكري الهائل رفع عجز الموازنة إلى 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
تراجع التصنيف الائتماني: حذر محافظ بنك كيان الاحتلال من أن استمرار العدوان قد يخفض النمو الاقتصادي، بينما قامت وكالات تصنيف ائتماني عالمية بخفض تصنيف كيان الاحتلال للمرة الأولى في تاريخه، مشيرة إلى المخاطر الجيوسياسية المتزايدة.
يربط مصيره بالمنطقة
لم يعد بنيامين نتنياهو يواجه مجرد اتهامات بالفساد، بل بات في قلب عاصفة تاريخية. هو متهم داخلياً بإطالة أمد العدوان لإنقاذ نفسه، ومتهم دولياً بارتكاب جرائم حرب، ويترأس حكومة هشة تنخرها الصراعات الأيديولوجية.
إن معركة بقائه لم تعد شأناً شخصياً أو داخلياً، بل تحولت إلى محرك أساسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله.
كل يوم يمضيه في السلطة يعني المزيد من الدمار في غزة والمزيد من المخاطر على الجبهات الأخرى، مما يجعل من نجاته الشخصية عبئاً تاريخياً تدفع ثمنه شعوب بأكملها.