| مع تأخر المطر.. أردنيون يستذكرون ثلجة 1991 1992 بقصص تراثية
- خبراء الطقس أكدوا على وجود فرص مرتفعة للهطولات الثلجية هذا العام
أدّى الأردنيون صلاة الاستسقاء للمرة الثانية الجمعة؛ متضرعين لله تعالى، طالبين نزول الغيث بعد تأخر الموسم المطري للمملكة.
وزارة الأوقاف دعت إلى إقامة صلاة الاستسقاء في مختلف مساجد الأردن للمرة الثانية بعد تأخر الموسم المطري وشح الهطولات المسجلة، وهو ما أكده خبراء الطقس بتوقعهم بموسم مطري جاف.
ورغم التأكيدات المتعلقة بضعف فرص هطول كميات كبيرة من الأمطار خلال الموسم الحالي، إلا أنهم أشاروا إلى وجود نسب هطول عالية للثلوج خلال الأشهر المقبلة.
وتفاعلا مع الأحوال الجوية التي تؤثر على المملكة، استذكر أردنيون في منشورات لهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ما عُرف بـ”ثلجة 19911992″، أو “الثلجة الكبيرة”، وهي احدى أكبر “الثلجات” التي شهدها الأردنيون خلال عام 1992 الذي تساقطت به الثلوج على مدى عدة مرات.
الصحفي خالد عياصرة استذكر ذلك اليوم في قصة عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، موضحا تفاصيل تلك الأيام، وكيف تعامل المواطن الأردني مع البرد القارس الذي صاحب تساقط الثلوج وإغلاق مؤسسات الدولة.
وقال العياصرة:”الثلجة الكبيرة 1991 1992، في اليوم الأخير من عام 31/12/1991 والأول من عام 1/1/1992 الجميع ينتظر قدوم الثلج الأبيض رفقة عيد رأس السنة الميلادية، الجميع يجهز لليوم التالي، كان الاعتقاد أن المنخفض عابر، والامطار ترحل سريعاً، لكن المفاجأة كانت غير متوقعة.
الساعة الثامنة المقدسة لدى الكبار بالسن، طَل المذيع الإخباري عساف الشوبكي عبر شاشة التلفزيون الأردني، بصوته الرخيم ولغته السليمة ربما يعود إلى تقديم الأخبار والذكريات جالباً معه الكثير من الأمطار والثلوج، وربما اتوسط لدى الأستاذ كريم الشوبكي في شيكاغو للمساعدة في اقناعه للحديث عن الأحوال الجوية المتوقعة، وجه مبتسم كطفل فرح بهدية موعودة، ومثلنا ينتظر الثلج بفارغ من الصبر.
كان الثلج فرحاً يلبس ثوبا من البياض، ورحلة في عالم الأحلام، في تلك الأيام كنت أقول لماذا يوجد بابا نويل مسيحي، فيما لا يوجد بابا نويل مسلم تجر عربته مجموعة من الغزلان باجراسها”.
وتابع:”في الحي البسيط الظريف الذي أقمنا فيه، الجميع يتساوى في الأحلام، ننام ونصحو، الأحاديث والطلبات ذاتها، وكان المستقبل في عقولنا ليس إلا اليوم التالي.
نام الجميع، بين ساعة وأخرى نصحو لسرقة نظرة من الشباك، هل جاء الثلج ؟ هل سَكرت الشوارع؟ هل غدًا عطلة؟ وهل طلع النهار؟
مع هذه المحاولات يتغلب النوم على صحونا، نرحل في سبات عميق، باكراً نصحو، نقفز صوب الشباك، يا إلهي، عالم جميل ناصع البياض، عصافير الدوري تدثرت داخل شجرة ” الكينا ” في أرض المرحوم أحمد اليوسف الشبلي الله يرحمه، وبعضها اختبئت في طابور اشجار السرو قبل أن تقطع، بقايا من أثر قطط وكلاب و” حصينيات ” على الثلج، ثلج لم نعتد عليه، كنا نغرق باطوالنا دون أن نبين ونضحك، وكان في بدايته كقطن أو كسكر.
استمر تساقط الثلوج لأيام متتالية دون توقف، في الصباح نصحو على صوت #فيروز ثلج ثلج ……. ليبدأ يومنا، بين ساحة الدار والتلفزيون وبرامجه، من مسرحية العيال كبرت إلى مدرسة المشاغبين، ومن فيلم الرسالة إلى عمر المختار.
تصيح امي الله يرحمها روح على الفرن جيب خبز، ارتدي كل الملابس المتوفرة، وجزمتي السوداء مع جرابات جيش سوداء، في القرية ثلاثة أفران، الأول للخال ابو عزمي قرب مسجد #ساكب القديم، والثاني للعم ابو مالك قرب عين ساكب، والثالث للأعمام عقلة ومصطفى السكران مقابل مدرسة ساكب الابتدائية، اختار الاقرب حي العين طابور طويل ينتظرني، قصار القامة كنا حينها لا نبين، رائحة الخبز تكملُ الأجواء، وجوه الناس خليط غريب ما بين الفرح والأحزان لا يمكن تفسيرها.
في طريق العودة أمام البلدية يقف عديد الناس كلا يحمل ” جركن ” للتزود بالكاز من كازية قرية ريمون، البعض، ” تصلم ” بشماغ حذر البرد، وكان أبو زيد خاله من يملك فروة خروف اصلية ليرتديها، المشهد سريالي، كانت البلدية أكثر فعالية في الاهتمام والقرب من الناس، وكان رجال الأمن والدفاع المدني وقوات الجيش يصطفون سياراتهم هناك.
يبدأ اليوم مع وجبة الفطور، خبز يقطع مع شاي وسكر وشيء من السمنة من يتذكر الوجبة ألا تشبه ” البانكيك اليوم كانت وجبة صباحية دسمة، بعضنا اعتاد أن يتسلل كثعلب إلى ” الخم ” لجلب ما جادت به الدجاجات، والبعض كان يفضل الزيت والزعتر، أما ” منيو ” الغداء غالباً ما كان شوربة عدس، مع وفجل وبصل اخضر، البيوت في ذلك الزمن مستودعات للأكل الطبيعي، فيما الامهات تبدع في تخزين الأشياء.
نبقى نلعب، نهرب من البرد ونعود، حتى العصر وموعد الكرتون لمتابعة سنبل، توم وجيري، المناهل، افتح يا سمسم، وغيرها.
في المساء تمتلئ البطون، بطاطا مشوية، أما الحلويات فكان أبي يطبخها، شعيرية مع حليب وسكر، يطلق عليها كنافة الفقراء، واحياناً يضاف للفقرات الكستنا، أو بلوط ” عقابي ” يجلب من غابات جرش وعجلون، ويشوى على الصوبة.
في ذلك اليوم 1/1/1991، فلتت الغيوم في السماء، أخذت الغيوم تَصهل حيناً، فيما البرق يرسم خارطة السماء. تحول المطر إلى الكثير من #الثلج، لم يتوقف عن العطاء، ومعها لم تتوقف الجدات والأمهات عن الدعاء بعض النساء كانت تدعو: إلهي وإنت جاهي بجاه الحلابات ما تردنا خايبات وصلت سماكة الثلج في مناطقنا إلى أكثر من 2 متر، عُطلت المدارس، دخلت الدولة في أزمة حقيقية الخسائر عالية عانى الناس وتوجعت قلوبهم بعد أن تكسر الشجر، وتهدمت بعض من أملاكهم، رغم هذا، اعتادوا على التأقلم مع الأشياء بكل بساطة، فكل شيء يجيء من عند الله خير وحمد.
الثلج عند أمي كان طقوس وتقاليد، يوم سنوي لإعداد المفتول أو ما يطلق عليه البسبسون الجعاجيل، اطلع اعزم خوالك، قالت أمي، وانت جاي بتجيب طحين قمح وحمص وفاصوليا وعدس من عند دكانة الحج شفيق العودة مقابل سلطة المياه .
لا يوجد امرأة في الكون تصنع ما تتقنه امي، من بعدها حرمت هذه الطبخة الشتوية.
ظهر ذلك اليوم خرجنا نلعب جانب البيت، أجبرنا أمي على الخروج كان وجهها ابيضاً عندما النسمات الباردة ينقلب لون وجنتاها إلى بياض مخلوط بالحمرة بعد أول كرة ثلجية اختل توازنها، وقعت ارضا وتدحرجت، خرج ابوي الله يرحمه يتفقدها، وقبل أن يصلها ” زحلق ” هو الآخر فيما تشبثت سيجارة الهيشي في فمه، قلبنا على ظهورنا من الضحك، قام ابوي مع كل مخزونه اللغوي من المسبات والله إلا العن والدك نركض ونضحك ونستمر برمي الكرات بعض الأطفال كانوا يضعون حجر في كرة الثلج نحاول مراراً صناعة رجل ثلجي مع عروسته لكننا نفشل، مرة نجلب دلو دهان صغير نضع الثلج فيه ونقلبه فيه ينهار، مرة نصنع كرة كبيرة فوقها كرة أصغر لكنه يسقط، وما زلنا نحاول !
لحظة انشغالهما في البيت، تسربت إلى داخله، جلبت الكرسي المتحرك، أجلسنا رائد الله يرحمه عليه، واخرجناه ليرى الثلج ويلعب معنا، كان رائد ممنوع عليه هذه الاجواء لان مناعته قد تجلب له المرض، لم نكترث، ما أن سمعت أمي صوت ضحكاتنا، حتى جاءت صارخة، صمتنا، واعدنا رائد حيث جلسَ بقية حياته إلى أن رحل عن الدنيا.
ليالي الثلج جميلة جدًا، في زمننا كان لدينا صوبة كاز لها ” بطيخة فوقها لم نحفل بعد بصوبة الفوجيا أو الغاز، ولم نكن نضع صوبة حطب، الأجواء عائلية بامتياز، من كان لديه لحاف صوف وزنه تنوء عن حمله الرجال نهرب إليه من سياط برودة الجو، اخترعنا الألعاب للتسلية، من كان دائم الانتصار ليفوز بدور الجلاد أو الشرطي في اللعبة، من كان يتقن لعبة السلم والحية، أو القطار، ومن منكم لعب أول الحروف من الخضار والفاكهة والدول والاسماء والجماد، اقسم، تلك الأيام صنعت ثقافة جيل بواسطة العاب بسيطة، عجزت عنه المدارس فيما بعد.
عندما تمر في الجوار، تعرف ما يطبخ في البيوت، هذا شوربة عدس، هذا يشوي بطاطا، ذلك يشوي شي من اللحم كان متوفرا أكثر من اليوم في أيدي الناس .
الحياة في ذلك الزمن ابسط، فيما بعد اكتشفت أن معدل المواليد في سنة الثلجة الكبيرة تخطت حاجز اللامعقول، جلس الآباء دون عمل لأيام، لم يكن الآباء يتقنون هواية عدا الإنجاب.. توقفت الدولة عن العمل، الجامعات والمدارس اغلقت ابوابها، بدأت كوادر القوات المسلحة والأمن العام والدفاع المدني في مساعدة الناس لإيصال المواد الأساسية لهم، خاصة المناطق النائية والجبلية التي يصعب الوصول اليها، بعد 10 أيام من العطلة متتالية، تنبهت الدولة للكارثة حال استمرار اغلاق المؤسسات، حينها كنا في مدرسة ساكب الثانوية البعيدة، لا سيارات توصلنا، أقدامنا تنطلق مع الريح، كنا نعتقد أن الثلج في حينا كثير، عندما وصلنا إلى المدرسة غير الثلج ملامح المدرسة، وجه مدير المدرسة الأستاذ محمد المصطفى الشبلي الله يطول بعمره الجميع لشق ممرات في الثلج كخنادق الحرب للوصول إلى الأبواب الرئيسية، كانت الأجواء ممتعة جدًا، بعد أن تم العمل، لا اتذكر من جلب كرة قدم معه، اقسم بالله: لقد لعبنا فوق ثلج بارتفاع أكثر من 3 أمتار، لم نسقط به، شيء من التجمد حال دون ذلك، المشهد مدهش، ولكم ندمت لأنني لم أوثق تلك اللحظات، لم يكن هناك كاميرات ديجيتال أو هواتف، بل كاميرات كوديك قبل الانهيار تضع بها فلم ” ليحمض ” لدى استوديو السوالمة في جرش، وأنت وحظك هل تخرج الصور سليمة أم تحترق.
كانت تلك الأيام خير وبساطة، دعوات خارجة من قلوب الجدات والأمهات، لم يكن أحد يستجدي الغيوم لتمطر وتثلج، كان هناك رضا وحمد، وكانت القلوب صافية نقية، وكنا اقل تعقيداً من اليوم، رغم أن حياتنا صعبة في تفاصيلها كأطفال، لكننا احببناها و اكتشفناها بعد تراكم التجارب لاحقا، فما الذي اختلف، وكيف استبدلت التفاصيل بكل هذه الأوجاع”.