اخبار السعودية

«اربطوا عوض وخلّوا التيس».. يا عرب أخبار السعودية

يحكى أن شيخاً مسنّاً كان يتناول العشاء مع أبنائه في فناء داره، فانطلق نحوهم من زريبة مجاورة تيسٌ جامحٌ، فطلب الشيخ من أبنائه أن يسارعوا لربط ذلك التيس. وكان أحد الأبناء واسمه عوض، رعديداً أرعنَ، قام متخبطاً من مقعده إما خائفاً أو لتولي تلك المهمة. فاصطدم بالمصباح الوحيد الذي كان يضيء الفناء وكسره فغدا المكان مظلماً، وعندما تحرك وضع قدمه الأولى في منتصف صحن العشاء، وتبعتها القدم الثانية إلى بطن أبيه فأوجعه. عندها أخذ الشيخ يصرخ بأعلى صوته على بقية أبنائه، قائلاً: «اربطوا عوض وخلوا التيس».

القصة التي ترويها تلك الحكاية تختصر حال أمتنا العربية، وترشد لما يتوجب أن تقوم به لوقف نزيف المعاناة من الأزمات التي تواجهها في كافة نواحي الحياة. حيث إنها تؤكد على أن المصيبة الكبرى مصدرها الأساسي المخاطر والأخطاء الكامنة في الذات والقدرات، ولا بد من تلافيها مقدّماً قبل الإقدام على مواجهة أي بلاء يعترض السبيل.

فإذا ما نظرنا للوضع السياسي والأمني، نجد أن العالم قد عاد إلى عصر تفصل فيه الحروب النزاعات وتُفرض فيه الاتفاقات بالقوة. وكما ورد بمقال «القوة تبطل الحق» المنشور بمجلة (فورين افيرز) 13 يوليو 2025، فإن «تهديدات ترمب بالاستيلاء على أراضٍ كغزة وغرينلاند تعكس تحوّلاً خطيراً نحو إحياء شرعية الغزو وإضعاف حظر استخدام القوة، وهو ما يهدّد بانهيار النظام الدولي الذي رسّخته معاهدة كيلوغبريان وميثاق الأمم المتحدة». وقد استغل الصهاينة والغرب وغيرهم من الكارهين للإسلام والعروبة، هذا الظرف، فقادوا حملة لإعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط تمهيداً لترسيخ موقع ما يسمونه إسرائيل الكبرى. فأثاروا الفتن الطائفية، ثم شنّوا الحروب في غزة وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان.

وما كان لهؤلاء الأعداء القدرة على تحقيق غاياتهم، لولا الدعم والمساندة التي قدّمها لهم العديد من أمثال «عوض الأحمق»، الذين يتواجدون بيننا كأفراد وقيادات في حماس وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان. وآخرون يتواجدون في كيانات عربية أخرى محددة أضحوا مخالب للأعداء بتدخلاتهم السافرة بالمال والسلاح لإشعال حرائق الأزمات بالعالم العربي، وإعانة الأعداء على إثارة الفتن والبغضاء بين أبناء الأمة العربية. ولا يتوانون عن شن حملات وبرامج إعلامية سمجة ودسائس سياسية وأمنية خبيثة نحو قيم الإسلام والعروبة، ولبعض الدول العربية ذات المواقف المشرّفة تجاه قضايا أمتها، كالمملكة العربية السعودية.

وما يشهده العالم العربي، الممثل من 22 دولة عضو بجامعة الدول العربية، يشابه تماماً ما عاشته الأندلس قبل ألف عام. فملوك الطوائف أنشأوا بالفترة 1020 – 1030 ما يقارب 22 دويلة. وكانت أوضاعهم، كما هو حالنا اليوم، تتصف بعدم الاستقرار والتناحر وحياكة الدسائس والمؤامرات فيما بينهم والاستعانة بالأعداء على بعضهم البعض. لذلك ما كان مستغرباً أن ينتهي بهم المطاف فريسة سهلة لألفونسو السادس، الذي امتهن كرامتهم وقتل الكثير منهم وسيطر على أراضيهم واستباح ثرواتهم.

وقد وصف ابن حزم الأندلسي، في رسائله عن ملوك الطوائف، الحال آنذاك، قائلاً: «والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم، ورجالهم يحملونهم أسرى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس». وأوضح الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، بخطابه أمام الحجاج عام 1930م، الحال الراهن بقوله: «الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها هي أننا نحن المسلمين لا نحب بعضنا بعضاً، بل نكيد لبعضنا حتى عند الأعداء ولا نجد في ذلك غضاضة في أنفسنا. إنك لا تجد رابطة بين المسلمين تشد أزرهم، ولا ألفة تدفع عنهم العاديات، فالملك عدو الملك، والتاجر عدو التاجر، وهلم جرا»، وفقاً لما ورد في كتاب «السعوديون والحل الإسلامي» لمحمد جلال كوشك.

فهل يأخذ العرب العبرة من التاريخ، وهم يرون حالهم يتردى كحال عهد ملوك الطوائف، وصورة الفونسو السادس تعاد ماثلة أمام أعينهم بدولة إسرائيل وشخصية المجرم الصهيوني نتنياهو وأعوانه؟ فإذا ما أرادوا السلامة والاستقرار عليهم ان يستأصلوا أولاً خلايا الضعف والخطر لديهم، فيعملوا متحدين من خلال منظماتهم الإقليمية، كمجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، على تحديد والتشهير وربط أشباه «عوض» المتواجدين بالجسد العربي والإسلامي وشل حركتهم. بعد ذلك سوف يستطيعون مواجهة «الوحوش الجامحة» التي تهاجمهم، فأمور السيطرة عليها عندئذ لن تكون عسيرة.

وإذا ما رغبوا في إصلاح أوضاعهم المعيشية، عليهم أن يبادروا أيضاً للتخلص من أشباه «عوض الأهوج» القابعين بمراكز التحكم من قيادات إدارية ومستشارين وعاملين في المؤسسات الاقتصادية والمالية والثقافية والاجتماعية والإعلامية. فقد ابتلي العالم العربي والإسلامي بالكثير ممن في غفلة من الزمن، تبوّأوا مناصب عليا ومواقع ريادية مكّنتهم من تخطيط وتنفيذ مسارات مستقبل أوطانهم، وهم يفتقدون المهارة والقدرة على إدراك أبعاد ما يقومون به أو نتائجه على الشعوب والأوطان. فأصبحوا يتخبطون برعونة جوفاء ودون هدى واضح معتقدين أنهم مصلحين مطورين، بينما هم يعيثون فساداً بأوطانهم.

وهذا ما قاد إلى الأزمات والتدهور الاقتصادي والمالي والثقافي والاجتماعي والإعلامي لدى العديد من الدول العربية والإسلامية. وهؤلاء تصدق عليهم الآية الكريمة ﴿الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ [الكهف: 104].

والحقيقة الواضحة التي يجب أن يدركها كافة العرب، أن المتاهة والتعاسة تتجليان بوضوح عندما تتغيّر القيم والسلوكيات والمفاهيم. عندها سوف ترى الحقائق باطلة، والأكاذيب حقيقة. ومع شديد الأسف هذا هو واقع عالمنا العربي في العصر الراهن.

خاتمة:

من أقوال الشاعر فيصل الرياحي البقمي رحمه الله:

بعض العرب وأحوالهم مستوره

من فوقنا الضرس وتحتنا النابي

عشرين دوله وأكثر أكثر منها

صرنا حطب للنار والحطابي

فيها المنافق يلعن المتمرد

وفيها الحرامي يشمت النصابي

وفيها المداهن ينتخي بالخاين

وفيها الغبي يضحك على المتغابي

وأبوابهم وديارهم مفتوحه

للقرد والخنزير والسنجابي

أخبار ذات صلة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى