اخبار السعودية

استغلال أم كلثوم لنبض من أحبها أخبار السعودية

يحلو لنا درس سيرة الأموات، ولأن الميت غير متواجد للنفي أو الإثبات يصبح أدب السيرة لمن رحلوا إناءً يحمل سوائل ممزوجةً لا تعرف من ماهيتها سوى السيولة، ولأن كنوز الماضي أموال مستباحة، فالكل يميل إليها للإنفاق في الحلال أو الحرام.

وتنبه المثل الشعبي لهذه السرقات حينما عبّر عن ذلك بقوله: المال السائب يعلم السرقة.

ويحلو الحديث في العلاقات الثنائية التي ليس على منتجها القولي شهود.

ولأني وعدت باستكمال كتاب عن العشاق الذين فُصلت قلوبهم على النطع، وجدت نفسي ضائعاً بين مجازر العشاق، وأنا أنقب بين آلاف الحكايات التي أبقت المرأة في قفص الاتهام كونها هي القاتلة، وتعليلاً لذلك نجده في الأسطورة الأممية في كون المرأة هي التي أغوت آدم للأكل من الشجرة المنهي عنها، وبسبب تلك الغواية تواجدنا لنعيش هذا الكبد، هو تعليل لا يرتقي إلى أقل مستويات الحقيقة، فالمذنب هو آدم، وهناك إشارات قرآنية دامغة تؤكد أن مقترف الذنب هو آدم، إلا أن الحكي صار في دروب موازية للأسطورة الأولى، فظلت المرأة هي المذنبة، والمعذبة بصخرة سيزيف، وهذا يؤكد أن التهمة لا تزول حتى إن تم تصحيحها بنص ديني، نحن لا نستطيع الخروج من قفص الحكي.

وفي حكايات العشاق التي راجعتها بقيت المرأة في قفص الاتهام، ويستطيع الباحث إخراجها من تهمتها.

ببساطة في أن من كتب الحكايات هم رجال تعنصروا لذكوريتهم؛ لتبقى المرأة في المكان الذي استقرت عليه، ولم تجاهد المرأة للخروج من التهمة، فشهرزاد ظلت تحكي ألف ليلة وليلة؛ لكي تُوقف موت الأنثى، إلا أن جوهر الحكايات المبثوثة هي محاولة للنجاة من القتل، أو محاولة للابتعاد والتبرؤ من خيانة زوجة شهريار، وهنا نعود إلى أن كاتب ألف ليلة وليلة هو الرجل، وأراد أن تكون خيانة المرأة لشهريار هي تهمة تلحق بغواية حواء لآدم.

ومحاكم الأمم مجتمعة أبقت المرأة في قفص تلك التهمة، وأصدرت صكاً بأن المرأة هي المذنبة، وكما قلت التهمة الأسطورية الأولى جعلت منها المذنبة، بغض النظر عن حقيقة التهمة ذنباً أو براءة، فالحكاية الأولى هي الطريق الوحيد الموصل إلى الإدراك حتى لو كان طريقاً ينتهي بسد، والتعاقب السردي لحكايات المرأة ثبتها على تلك الحالة.

وقد أفشيت سر كتاب العشاق، وتنبهت الآن أنني كنت حبيس ثقافة السائد المتواطئ عليها قولاً وعرفاً وعادة، من خلال تغريدة أكدت فيها: وكان علي أن لا أرتهن للثقافة السائدة بإلقاء التهم الجاهزة، ربما كان ذلك نابعاً من المخزون الأممي الذكوري المرحب بالسائد، والتغافل عن أي حقيقة تبعده عن موروثه الثقافي.

وهنا استذكر أني كتبت تغريدة هذا نصها: في مراجعة لقصة أشعار أحمد رامي، اكتشفت أنه كتب 110 أغنيات لعين أم كلثوم: لوعة وعشقاً.

ولأني معبأ بالإرث الأممي في اتهام المرأة انشقت فاتهمت أم كلثوم بأنها امرأة استغلالية، وفي أعلى مراتب بشاعة الاستغلال، والكارثة أن رامي كان يعلم استغلالها لنبضه.

ولأن الناس (وأنا منهم) يؤمنون بما تعلموه في البدء، قلت إن أم كلثوم مارست الاستغلال وهي تهمة لا تليق بباحث أو قارئ متمكن أن يطلق تهمة (استغلالية) إلا أن الجذر الأول الأسطوري يسحبك من خطامك!

وأردت استدراك ذاك العمى في كون أم كلثوم استغلت عاطفة رامي على محمل قول عمر بن ربيعة:

ليــت هنــداً أنجزتنــا مـا تعـد

وشـــفت أنفســنا ممــا تجــد

واســــتبدت مـــرّة واحـــدة

إنمــا العــاجز مــن لا يســتبد

وهي محصلة معادلة القوي والضعيف، فهي تمسك بقلبه وهو خانع لما تفعله حبّاً وهياماً بأي فعل تفعله.

وإن أضفت شيئاً يمكن القول:

إن القاسم المشترك بين العجز، والاستبداد هو القوة، الأول فاقد لها، والثاني متسلح بها.

وفي كل مناشطنا الحياتية، يكون ميزان نجاح أي أمر مرتهناً بهذه القوة امتلاكاً، أو فقداً لها.

أخبار ذات صلة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى