اخبار السعودية

«اعتدال» و«تليغرام».. شراكة تعيد ضبط الفضاء الإلكتروني أخبار السعودية

في وقت تتسارع فيه التهديدات الرقمية وتتطور أدوات التجنيد الإلكتروني، تكشف الأرقام المعلنة عن التعاون بين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ومنصة (تليغرام) خلال الربع الثاني من 2025م، نتائج نوعية؛ إذ نجح الطرفان في إزالة 30,846,485 مادة متطرفة، وإغلاق 1,254 قناة متطرفة، ضمن شراكة مستمرة انطلقت منذ فبراير 2022م.

وبحسب بيان رسمي، بلغ إجمالي ما تم حذفه منذ بدء التعاون 207,604,942 مادة متطرفة، مع إغلاق 17,455 قناة، مما يبرهن على فعالية التنسيق بين المنصات التقنية والجهات المتخصصة في كبح جماح الفكر المنحرف وتجفيف منابعه.

ضبط الفضاء الرقمي

المستشارة والمهتمة بالأمن الفكري الدكتورة فهده العريفي، وصفت التعاون بين مركز «اعتدال» ومنصة «تليغرام» بأنه من أنجح نماذج الشراكة بين الجهات المتخصصة وشركات التقنية على مستوى العالم، مشيرةً إلى أن الأرقام التي تم إعلانها تعكس اتجاهاً متصاعداً لضبط الفضاء الرقمي وتجفيف منصات التجنيد الإلكتروني، ووضع تحول طويل المدى في إدارة التهديدات الرقمية.

وأكدت العريفي لـ«عكاظ» أن أبرز تحديات الرصد تكمن في قوة التشفير، ولجوء المتطرفين إلى لغة رمزية وتكتيكات مراوغة، كفتح قنوات بديلة فور إغلاق الحسابات، ما يتطلب استجابات تقنية وقانونية مرنة تتجاوز العقبات العابرة للحدود.

ودعت العريفي المنصات المشابهة إلى تحمل مسؤوليتها الاجتماعية والإنسانية والاقتداء بهذا النموذج بما يلائم ويتوافق مع خصائصها التقنية والقانونية، معتبرةً أن التصميم الخاص لكل منصة هو المفتاح لإنجاح هذه الشراكات مشددة على أهمية دور الإعلام والمنظمات المجتمعية.

فهم سلوكيات النشر والتحليل

خبير التقنية ومستشار الأمن السيبراني رامي الغانمي قال: إن مواجهة التطرف الرقمي لم تعد تقتصر على الجانب التقني البحت، بل باتت تتطلب فهماً عميقاً لسلوكيات النشر والتحليل الشبكي والبعد الاجتماعي للتهديدات، خصوصاً في منصات مشفّرة مثل «تليغرام».

وقال لـ«عكاظ»: لنبدأ من تحليل السلوك الرقمي، ولا نكتفي بالنظر إلى ما يُقال، بل نهتم بكيفية قوله، ومن يقف وراءه، ومتى يُنشر، وكيف يتفاعل معه الآخرون. هذا النوع من التحليل يُمكّننا من رصد الأنماط السلوكية، وبناء أنظمة إنذار مبكر تكشف الحملات المتطرفة قبل أن تنتشر.

وأكد الغانمي أن بعض خبراء الأمن السيبراني يشاركون في تقييم أمان المنصات نفسها، من خلال الإجابة على أسئلة مثل: هل هناك آليات كافية للتبليغ؟ هل هناك فلترة فعالة؟ وهل الذكاء الاصطناعي المستخدم يستطيع التمييز بين المحتوى الضار والطبيعي؟. مشيراً إلى أن الإجابة على هذه الأسئلة تمثل عنصراً محورياً في حماية البيئات الرقمية. وعن التعاون بين «اعتدال» و«تليغرام»، وصفه الغانمي، بأنه «تعاون فعلي وحقيقي، وليس استعراضاً إعلامياً»، وتابع: التحدي الأكبر مع تليغرام وغيرها من المنصات المشفّرة يكمن في مراقبة الرسائل الخاصة ومجموعات البث المغلقة، لكن الحل لا يكون باختراق الخصوصية، بل بتحليل سلوك النشر والبيانات العامة، وربطها بأنظمة ذكية تكشف التهديدات دون انتهاك الحقوق الفردية.

وشدد على أن إزالة المحتوى المتطرف له أثر مباشر في تعطيل شبكات النشر والتجنيد، خصوصاً في المنصات التي تعتمد على سرعة الانتشار، لكنه أضاف: «الإزالة وحدها لا تكفي، نحن بحاجة إلى حملات توعوية مستمرة تشرح للناس، خصوصاً الشباب، أساليب الخداع التي يستخدمها المتطرفون في التأثير على العقول في مراحل التكوين الفكري».

الغانمي أكد أن المنصات الإعلامية يمكن أن تلعب دوراً محورياً في دعم جهود «اعتدال»، من خلال تبسيط المفاهيم ونشر تقارير تحليلية تُبيّن خطورة الرسائل المضللة التي تصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وختم الغانمي تصريحه بالتأكيد على أن خبير الأمن السيبراني في عصرنا الحديث لم يعد مجرد حارس للأنظمة، بل أصبح شريكاً في حماية العقول، وصانعاً لبيئة رقمية أكثر وعياً وأماناً، مضيفاً: «نحن نعمل مع الجميع، محلياً ودولياً، حتى لا يجد التطرف مساحة يعيش فيها».

لا تسقط بالتقادم

المحامي تركي بن جلوي شدد لـ«عكاظ» على أن إنشاء أو نشر محتوى رقمي يروّج للفكر المتطرف أو يتصل بمنظمات إرهابية يُعد جريمة إلكترونية يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة.

وأشار إلى أن المادة السابعة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية تنص على معاقبة من ينشئ أو ينشر موقعاً لمنظمات إرهابية، أو يروّج لأفكارها، أو يموّلها، بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات، أو غرامة تصل إلى خمسة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين.

وفي ما يتعلق بالتحريض على الكراهية والعنف عبر الإنترنت، أوضح بن جلوي أن المادة السادسة من النظام ذاته تُجرّم إنتاج أو نشر أو تخزين أي محتوى من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة، بعقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات والغرامة ثلاثة ملايين ريال. كما أن المادة التاسعة تُجرّم التحريض والمساعدة على ارتكاب الجريمة، حتى إن لم تقع فعلياً. وقال: «القانون السعودي لا ينظر فقط إلى الفعل، بل يجرّم حتى التحريض الإلكتروني الذي يشعل خطاب الكراهية قبل أن يتحول إلى سلوك عنيف».

وأوضح أن البلاغات تسهم في حفظ الأمن الرقمي وتعزيز مفهوم «كل مواطن خفير»، داعياً إلى نشر الوعي القانوني بأساليب التبليغ السليم.

وحول حذف المحتوى المتطرف من الإنترنت، بيّن أن الأصل القانوني يقتضي وجود أمر قضائي أو قرار من جهة مختصة لإزالة المحتوى؛ احتراماً لحقوق التعبير، إلا في حالات الطوارئ التي تمس الأمن الوطني، إذ يحق للجهات المختصة التدخل الفوري، مع ضمان الإجراءات القانونية اللاحقة.

وعن المحرّضين المقيمين خارج المملكة، أوضح أنه يمكن ملاحقتهم قانونيّاً عبر التعاون الدولي، خصوصاً من خلال الإنتربول واتفاقيات الجرائم السيبرانية مثل اتفاقية بودابست، مشيراً إلى أن الجرائم الرقمية لا تسقط بالتقادم ولا تُعفى من المتابعة بسبب الموقع الجغرافي.

تهديدات في الفضاء الرقمي

العميد الركن المتقاعد حسن بن ظافر الشهري أوضح لـ «عكاظ» أن المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال» يواصل أداء دور محوري على الساحة الدولية، خصوصاً في ظل التهديدات المتزايدة التي يفرضها التطرف الرقمي حول العالم.

وأضاف أن مركز «اعتدال» نجح في بناء نموذج متقدم وفريد من الشراكات التقنية الفاعلة، من أبرزها التعاون المشترك مع منصة «تليغرام»، أحد أهم تطبيقات التواصل الاجتماعي عالميّاً. وأضاف: «إن هذه الجهود تندرج ضمن استراتيجية شاملة يتبعها المركز، ترتكز على ثلاث ركائز رئيسية: الفكر، الإعلام، والتقنية؛ وذلك بهدف التصدي الشامل لمنابع الفكر المتطرف بكافة مستوياته واتجاهاته».

وأكّد أن هذه الإنجازات تعكس الرسالة العالمية والإنسانية للمركز، وتُظهر التزام المملكة العربية السعودية بمكافحة الفكر المتطرف على المستويين الإقليمي والدولي.

النيابة العامة: السجن

والغرامة للمروّجين

شددت النيابة العامة على حظر إنشاء أو تشغيل مواقع إلكترونية تروّج للتنظيمات والجماعات والتيارات المصنفة من قبل الجهات المختصة في المملكة كمنظمات إرهابية، محذّرة من أن ذلك يُعد جريمة معلوماتية كبرى تُعرّض مرتكبها إلى عقوبات تصل إلى السجن عشر سنوات أو الغرامة خمسة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين.

وأوضحت النيابة عبر حسابها الرسمي على منصة (X)، أن الحظر يشمل أيَّ شكل من أشكال التأييد أو التعاطف أو الترويج لتلك التيارات المتطرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت.

وأضافت أن «العقوبات تطال أيضاً من يقوم بإنشاء موقع إلكتروني لصالح أي منظمة إرهابية أو يسهل الاتصال بقياداتها أو أعضائها، أو يقوم بنشر أفكارها، أو تمويلها، أو تداول معلومات عن تصنيع المتفجرات أو الأجهزة الحارقة أو أي أدوات تُستخدم في تنفيذ أعمال إرهابية».

وأكدت النيابة العامة أن هذا التشديد يأتي في إطار حماية الأمن الوطني والمجتمعي، والتصدي لأي نشاط رقمي يخدم الأجندات الإرهابية أو يهدد استقرار المجتمع.

كشف الخلايا النائمة

أستاذ مكافحة الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم الدكتور يوسف أحمد الرميح أكد لـ«عكاظ» أن من يتابع نشاط الفكر المتطرف والإرهابي عالميّاً يدرك حجم التحول في أساليبه وانتشاره، خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت بيئة خصبة لهذا الفكر المنحرف. وأضاف أن «هذه الأنشطة المتطرفة تحتاج إلى تضافر جهود الجهات المعنية كافة، الأمنية والفكرية والإعلامية، للتعامل معها باحترافية ووضوح ومنهج علمي مدروس»، مشيراً إلى أن الإرهاب اليوم لم يعد شأناً محلياً، بل هو ظاهرة دولية وساحة عالمية مفتوحة. وبيّن الرميح أن إزالة أكثر من 129 مليون مادة متطرفة وإرهابية عبر مركز «اعتدال» ليس مجرد رقم، بل ناقوس خطر يدل على حجم التأثير الرقمي على الشباب، معتبراً ذلك كارثة فكرية يجب مواجهتها بكل الوسائل، وبمنهجية وقائية قبل أن تتحول إلى عنف ميداني.

وأضاف أن «متابعة السلوك الرقمي داخل المنصات المشفّرة مثل (تليغرام) كفيل بكشف الخلايا النائمة ومروّجي الفكر المتطرف». وأكد الرميح أن دور مراكز مكافحة التطرف لا يُغني عن الدور الأمني، بل يُكمله. ودعا إلى الاستفادة القصوى من أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل المحتوى المتطرف، معتبراً أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم عنصراً حاسماً في دعم الأمن الوقائي والتعرف المبكر على أنماط التطرف والجريمة، وهو ما يعزز كفاءة المواجهة الاستباقية.

أخبار ذات صلة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى