المتحدث باسم مركز الملك سلمان للإغاثة لـ «عكاظ»: السعودية لم تتخلَّ يوماً عن سورية أخبار السعودية
لم تكن هناك إمكانية لقراءة المشهد من الخارج، والمعاينة بين مرحلتين متضاربتين، لذا قررت «عكاظ» أن تبدأ سلسلة (سورية من الداخل)، لتقف عند أهم مرحلة من تاريخ سورية منذ الاستقلال، وتعاين اللحظات الأولى في تشكل الدولة السورية.
وكما العادة، كانت المملكة العربية السعودية مواكبة لأوجاع السوريين وحاجاتهم، وتقدمت الكتيبة الإنسانية المتفانية من مركز الملك سلمان الإغاثي وطاقمها المهني لتكون على أتم الاستعداد للوقوف إلى جانب الشعب السوري، وهم يكررون ذات الموقف منذ نحو عامين حين أقلعوا من الرياض إلى غازي عينتاب للوقوف إلى جانب الشعب السوري المكلوم.
«عكاظ» التقت المتحدث باسم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور سامر الجطيلي؛ الذي كانت مشاعر الفرح تحمله فوق غيوم دمشق، وهو يقدم كل إمكاناته الشخصية وخبرته المتراكمة لرسم الابتسامة على وجوه الشعب السوري، فإلى (الحلقة الثانية)، وأول حوار في ملف (سورية من الداخل):
أرض الحرمين تعانق أرض بني أمية
• ما نوعية المساعدات التي دخلت وكيفية توزيعها، وما الجدول الزمني للمساعدات القادمة؟
•• قبل الحديث عن نوعية المساعدات التي يقدمها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لا بد من الحديث عن المشاعر المختلفة التي تتمحور حول الإحساس بالأشقاء الإخوة السوريين، وكيف منّ الله عليهم بانجلاء هذه الغمة. دمشق هي قلب العروبة، وللأسف غيّبت سنوات عن المشهد الدولي والإسلامي والعربي. وها هي تعود مرة أخرى، ونسأل الله عز وجل لهذا الشعب الطمأنينة والرخاء والرفاه، وأن نرى سورية بأفضل حال وبأقرب وقت ممكن. أرض الحرمين تعانق أرض بني أمية وعاصمة الأمويين دمشق، وهذا عمق تاريخي وترابط وإرث ثقافي وحضاري طويل جداً. المملكة العربية السعودية لم تتخلَّ يوماً من الأيام عن الوقوف مع الأشقاء في سورية مهما كانت الظروف والمراحل، وأتت هذه الفرصة السانحة التي كان الجميع ينتظرها بفارغ الصبر، وهي أن نصل لقلب سورية، إلى دمشق والمدن الكبرى التي لم نستطع أن نعمل بها في الفترات السابقة، لنمدَّ يد العون للأشقاء وندعمهم في هذه المرحلة الموقتة؛ مرحلة التغيير، التعافي، وكذلك بإذن الله مرحلة البناء والتنمية والاستقرار. في البداية، هذا الجسر الجوي وآخر بري، وجهت بهما القيادة الرشيدة أن يكونا بأسرع ما يمكن، وهذا يحمل بطياته خيراً كثيراً، والتوجيه الآن في قيادة المملكة ليس له سقف ووقت.
عملية مستمرة ومفتوحة
• الجسر الإغاثي السعودي إلى سورية، هل يمكن القول إنه جسر إغاثي مفتوح؟
•• نعم، سواء البري أو الجوي، والبري يمثل أضعافاً مضاعفة عن الجوي، كما تعرف البري تستطيع أن ترسل من خلاله كميات أكبر ومعدات ثقيلة لا يمكن إرسالها عن طريق الجو، وتركيزنا في هذه المرحلة ينصب على قطاعين بعد قراءة الحاجات مع الشركاء، من سفارة خادم الحرمين الشريفين والسلطات المحلية المسؤولة عن الإغاثة هنا في دمشق، والوزارات ذات العلاقة، ومنظمات المجتمع المدني، التي لنا علاقة معها منذ بداية الأزمة، وشبكة من الشراكات التي نعتز بها، والقطاعان هما الأمن الغذائي والصحة، وضعت حاجات مقننة بالأنواع والكميات والمناطق الأكثر حاجة، ومن ثم انطلق المركز لتلبية هذه الخطة، وأتت المساعدات لتسد الحاجات الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة.
الإغاثة العاجلة والتعافي المبكر
• هل يعني ذلك أن الجسر الإغاثي ستعقبه عمليات إستراتيجية، وما ملامح هذه العمليات أو إستراتيجية مركز الملك سلمان لإغاثة سورية؟
•• الآن المركز معنيٌّ خلال هذه المرحلة بنقطتين في التدخل الإنساني؛ المرحلة الأولى الإغاثة العاجلة وهو ما نقوم به حالياً، ثم الانتقال بسرعة إلى مرحلة التعافي المبكر، وملامح التعافي المبكر لهذه المرحلة أهدافها هي أهداف ومشاريع تؤسس لما بعد، وهي التنمية والاستقرار، نحن حريصون كل الحرص على الانطلاق بسرعة كافية وذلك بعد صناعة استقرار في القطاعات ذات الأهمية القصوى، الهدف مثلاً في دعم القطاع الصحي، دعم المنشآت الصحية في سورية، لتكون قادرة على تقديم الحد الأدنى من الخدمات المنقذة للحياة.
مستشفيات معطلة وأدوية غير موجودة
• ما الأشياء التي تم تقديمها لدعم القطاع الصحي؟
•• بناءً على الاحتياج، تم تقديم أدوية التخدير، فكثير من المستشفيات معطلة لعدم وجود أدوية التخدير، أبسط الأشياء، وهذا يدخل في نطاق الإنقاذ، لأن الكثير من العمليات قد تكون عاجلة وملحة ولا تحتمل التأخير، وكذلك المضادات الحيوية والمسكنات ومستلزمات العمليات، وأجهزة تتعلق بالتشخيص كالرنين المغناطيسي وأجهزة الأشعة السينية والمقطعية، وهذه مهمة في مرحلة التشخيص ما قبل العمليات والمعالجة.
• وماذا عن الأمن الغذائي؟
•• بالنسبة للأمن الغذائي فيهدف لتأمين مواد وصناعة نوع من الاستقرار وسد النقص في هذا المجال بشكل عام، وأول وأهم مادة هي الطحين، لذلك كل طائرة تحمل كمية كبيرة من الطحين، إضافة إلى سلة غذائية بوزن 70 كيلوغراماً تكفي الأسرة المؤلفة من ستة أشخاص لمدة شهر، تحتوي على طحين، أرز، شعيرية، برغل، عدس، زيت الطهي، شاي، سكر، هدفنا من هذه السلة المعيارية تأمين حاجات الأسرة لمدة شهر، وهذه السلة التي توزع في كل العالم، ولكن محتوياتها تختلف تبعاً لكل منطقة، فأهل الشام مثلاً يأكلون الأرز والشعيرية ويشربون الشاي، وفي الوقت ذاته أمّنّا حقيبة الإيواء، التي تحتوي على معدات الطبخ والأواني المنزلية اللازمة، وحقيبة دفء الشتاء التي تضم ملابس شتوية داخلية وخارجية لأسرة مؤلفة من ستة أشخاص، تبعاً لأزمة الشتاء ونقص المحروقات والملابس الشتوية، إضافة إلى سلة النظافة لما لها ارتباط بالعوامل الصحية. إدارة مختصة بالرقابة• أهم ما في الأمر، كيف تتم الرقابة على توزيع المساعدات؟
•• فيما يتعلق بالرقابة هي جزء لا يتجزأ من العمل الإنساني، ولذلك أقام المركز إدارة مختصة بالرقابة والتقييم، لدينا نموذج مبني على مدى سنة مختص بالرقابة والتفتيش، يتضمن الآليات والإجراءات وإخراج التقارير، وبالاتفاق مع الشركاء تبادلنا سياسات الرقابة للمقاربة بين رؤيتنا ورؤيتهم للوصول لنموذج لنكون متقاربين على مستوى السياسات، كمرحلة أولى، ولأن الرقابة لا يمكن أن تكون بوقوف الأشخاص والمراقبة الآنية لعمليات التوزيع، يجب وضع وإقرار نماذج ووضع التقارير، إلى جانب عمليات النشر التي تضمن تعريف المستفيد بأنشطة المركز، إذن الرقابة والتقييم، والتقارير ومراجعتها بين الفريقين، ونشر هذه التقارير. الأمر الثاني في الرقابة والتفتيش، تحدثنا مع الشركاء عن أهمية وجود قنوات مفتوحة مع المستفيدين وتلقي شكاواهم، وتفعيل مواقع التواصل الاجتماعي للتغذية الراجعة، وتأمين توثيق شكاوى الأفراد والتعامل مع هذه الشكوى، وعكس طرقنا في تطوير هذا العمل، ومن المهم ضمان كم كافٍ وجودة عالية، ونأمل في تغطية أكبر جزء من الحاجات في سورية. خارطة واضحة المعالم• هل لديكم تصور جغرافي للتوزيع؟
•• بلا شك، لدينا خارطة واضحة المعالم للحاجات، لكنها تبقى رهن التقييم العاجل، ولذلك وجود الفريق على الأرض وتبادل الآراء والتواصل مع الشركاء، يمنحنا تقييماً تفصيلياً أدق عن الذي بنيناه تبعاً للطوارئ، من خلال التقارير الأممية والتواصل، وهنا لا بد من ذكر أن المركز فيما يتعلق بالتدخل الإنساني، يعيد تقييم كل مرحلة. نحن حريصون كل الحرص على وصول هذه المساعدات لكل المحتاجين، هذه قيم عمل المركز، ومراقبة عمليات التوزيع، ومراعاة الفئات الأكثر حاجة، والتقييم المستمر للحالة الإنسانية في حال وجود ثغرات أو حاجات معينة يمكننا التحرك من خلال تغطيتها بأسرع وقت، ولدينا المرونة الكافية للاستجابة الطارئة، اكتسبها المركز على مدى أعوام، خصوصاً في مرحلة كورونا، إذ كنا نحاول تغطية المستلزمات من أوكسجين ولوازم العناية المركزة، ونأمل أن تكون هذه المرحلة قصيرة، لأن قصرها يقودنا لما بعدها، وهي مرحلة التعافي المبكر، المرحلة التي يحتاجها الشعب السوري، والحقيقة أن الحاجات تتفاوت بين المناطق السورية، هناك مناطق تجاوزت مرحلة الإغاثة المبكرة، وبدأت تدخل في مرحلة التعافي المبكر، وتبدأ مشاريع التعافي المبكر، مثلا مشاريع إنتاج الطحين، لدينا قمح فكيف ننتج الطحين لتغطية المناطق بالخبز، وهو المادة الرئيسية الغذائية في سورية، وفي الوقت ذاته نسعى لدعم المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية الصغيرة، التي تؤمن الربح السريع، مثلاً دعم مربي الدواجن في الإنتاج والتسويق، أو دعم رعاة الغنم والأبقار، ولدينا خبرة فيها في اليمن، وإنتاج العسل والمناحل وتدريب الشباب عليها، ودعم مشاريع الصيد، وبناء منظومة كاملة في هذه المشاريع، والقاسم المشترك هنا الاستفادة من الموارد الطبيعية لتدوير عجلة الاقتصاد.
حتى تختفي الحاجات• ما المدة الزمنية التي من المتوقع أن يستمر فيها عمل المركز بسورية؟
•• نحن كنا موجودين على مدى الـ14 سنة الماضية، واستمررنا رغم التحديات والصعوبات، ولم نقف عند هذا الحد، فتحنا مكاتب في لبنان والأردن وتركيا لدعم اللاجئين الأشقاء، وأثمرت هذه الجهود في تخفيف معاناة الأشقاء، أعتقد أن المركز لديه القدرة وطول النفس، وأتأمل أن تختفي الحاجات ولا يبقى حاجة لوجودنا، ولدينا رؤية فيما يتعلق بمشروع البناء وصناعة الاقتصاد والاستقرار، وهذا حلم ولي العهد أن ينافس الشرق الأوسط الاتحاد الأوروبي، ومن هذه الرؤية الثاقبة وهذه القيم ومن تاريخ المجتمع والعمل خلال 14 سنة، أطلقت ثلاث حملات في المملكة لدعم الشعب السوري ولم تحدث في بلد آخر، آخرها الحملة الشعبية لمساعدة متضرري الزلزال في تركيا وسورية، وحصدت هذه الحملات المليارات، إضافة إلى ذلك دعم سخي من القيادة للملف الإنساني لم يتوقف ولم يتخلف بأي حالٍ من الأحوال، ونقول ذلك لإرسال رسالة أن المملكة قيادةً وشعباً مع الأشقاء، ولن تتخلف أو تتوانى عن مدِّ يد العون، وأعتقد أن عملنا في سورية ينتهي حين نراها مزدهرة مستقرة، تشعر بالأمان والطمأنينة، لديها موارد، وتعود كما كانت زهرة بلاد الشام وقلبها النابض تمد يد الخير لكل محتاج.