اخبار السعودية

خواطر دمشقية (1) أخبار السعودية

لم أستطع مغالبة دموعي وأنا في الطريق من مطار دمشق إلى وسط المدينة، بعد أن دخلنا حي «حرستا» وما جاوره. جولة مؤلمة، شديدة الوجع بين حطام وركام وأطلال وأشباح لا يمكن أن يتصورها أي خيال. شاهدنا الكثير الكثير من توثيق البشاعة التي حدثت في سوريا، لكن لا يمكن معرفة ما حدث إلا بمشاهدته عياناً. كنا نتجول وشبح الموت يلوح من كل زاوية، وكأننا نسمع أصداء صرخات الذين كانت تهبط عليهم براميل الفناء من السماء، وتنهمر عليهم القذائف الثقيلة من المدرعات، لتدفن أشلاءهم تحت رماد منازلهم. لا أعتقد أن أي مخرج سينمائي يريد تجسيد فناء العالم يمكنه أن يُبدع مثلما أبدع نظام بشار الأسد في سوريا. خرجنا من ذلك الحي واعتقدت أن رواية الدمار انتهت في محيطه، وإذا بفصولها المقززة مستمرة في كل مكان. صدقاً لا أستطيع وصف ذلك الشعور الذي انتابني طول الطريق، إنه أقسى من الصدمة، وأشد من الألم، وكان بجانبي زميل سبق له زيارة سوريا وذهب إلى مناطق أخرى، قال لي عندما شاهد ملامحي: كيف سيكون حالك لو شاهدت ما حدث في أماكن أخرى؟

بدت لي دمشق، أسطورة الجمال، وفاتنة التأريخ، وكأنها للتو عائدة من زمن أليم وأثيم، كانت فيه مودعةً لدى حارس جهول لئيم. تلملم نفسها من وجع مزمن، تحث ما تبقى فيها من خلايا الحياة على التكاثر بسرعة لتعود إلى عالم الأحياء، تحاول بإصرار ضخ ماء الحياة في حدائق الياسمين وبساتين الفل التي قتلها البارود. الناس فيها تريد أن تستبدل مراثي الحزن بأهازيج الأمل. مصرون على مسابقة الوقت نحو مستقبل جميل وإسدال الستارة على آلام الماضي. رغم قسوة الحياة تجد السوري، طفلاً وشاباً وشيخاً، يتمتع بتفاؤل أسطوري، شعب يتمتع بخصال إنسانية بديعة، وإمكانات وقدرات هائلة على إعمار الحياة.

عاش الشعب السوري أكثر من نصف قرن تحت وطأة نظام سادي مستبد، استخدم أشرس وأحقر وسائل التخويف والحصار النفسي، يراقب الأنفاس ويترصد الأفكار ويفسرها على طريقته، لتكون العقوبة الموت في غياهب السجون. وعندما انتفض الشعب قائلاً كفى، وخرج رافعاً صوته في وجه الظلم المستفحل والعذاب الطويل المرير، عاقبه النظام طوال 15 عاماً بجحيم السماء والأرض.

الآن هناك إشراقة أمل جميل، لكنها محاطة بالتوجس من المصائد التي لا تريد للشعب السوري بناء حاضره ومستقبله، ولا تريد لسوريا أن تكون مستقرة. إنها مرحلة شديدة الحساسية، تحتاج من الأشقاء السوريين بكل مكوناتهم وعياً كبيراً بكل المخاطر وتقديم الوطن ووحدته وتماسكه على أي حسابات أخرى.

وغداً أحدثكم لماذا ذهبت إلى دمشق.

أخبار ذات صلة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى