دارة الملك عبدالعزيز.. «الصندوق الأسود» لتاريخ المملكة الناصع أخبار السعودية

تكمن أهمية دارة الملك عبدالعزيز، في حملها اسم موحّد ومؤسس الدولة السعودية الحديثة، إضافة إلى عناية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ الذي رَأَسَ مجلس إدارتها لمدة نصف قرن، ورَأَسَ 45 من اجتماعاتها الدوريّة، ولم يتأخر عن اجتماع واحد لحرصه على دقائق العمل في الدارة. وألقى خادم الحرمين الشريفين ثلاث محاضرات متخصصة في التاريخ الوطني، تعد شاهدًا موثقًا لشخصيته البحثية؛ الأولى في جامعة أم القرى عام 1429هـ بعنوان (ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز). والثانية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1432هـ بعنوان (الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية)، وطبعتها الدارة حرصًا على استحضار الجميع لها ودعم المكتبة التاريخية الوطنية. والثالثة في جامعة الملك سعود؛ ممثلةً في كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز للدراسات الحضارية والتاريخية عام 1433هـ بعنوان (الجوانب السياسية والاجتماعية في تاريخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله). وأهدى الملك سلمان الدارة مخطوطة نادرة لكتاب (المقنع في الفقه) نُسخت عام 1220هـ، وكانت نواة لما جرى جمعه وحفظه من المخطوطات الأصلية التي تجاوزت 5000 مخطوط. ومن أهداف تأسيس دارة الملك عبدالعزيز، أن تكون مرجعًا تاريخيًا للبحوث والدراسات والمخطوطات للمملكة، منذ صدور المرسوم الملكي رقم (م/45) وتاريخ 5 شعبان 1392هـ (1972) بتأسيسها لتغدو مرجعًا لتاريخ المملكة وتراثها، من خلال المحافظة على المعرفة التاريخية وتعزيزها محليًا ودوليًا. وصدر قرار مجلس الوزراء في 28/ 12/ 1417هـ بإعادة تشكيل مجلس إدارتها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، فأعطى القرار زخمًا كبيرًا للدارة ولفت الأنظار لها داخل المملكة وخارجها، وتطورت أعمالها وتراكمت تجربتها وتزايد إنتاجها، وتعززت فعاليتها، وتبلورت شخصيتها بعمل مؤسسي منظم صنع لها رسالة تمزج بين العلمية والموضوعية والوطنية التي أنشئت من أجلها. وخلال رئاسة الملك سلمان 45 اجتماعًا للدارة بث فيها روح العمل النشط والثقة العلمية من خلال مكتسبات عديدة؛ من أهمها احترام الوقت، ما انعكس على شخصية الدارة اليومية. ومنذ نقل الدارة من مقرها السابق إلى مركز الملك عبدالعزيز التاريخي بجوار قصر المربع؛ الذي افتتحه الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله عام 1419هـ، تجلّت السمة البحثية الدؤوبة للدارة، التي كانت وما زالت محل عناية الملك سلمان. وفي عام 1418هـ قدم الملك سلمان للدارة وثيقة أصلية هي رسالة من الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى سليمان باشا، نُسخت في عام 1225هـ، ضاربًا بذلك مثالًا للمواطنين من ملّاك المخطوطات والوثائق لإيداع ما لديهم من مصادر تاريخية في الدارة، وإيداعها باسم صاحبها ويحق له الرجوع إليها.
جوائز ملكيّة لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية
تُمنح جائزة سنوية باسم جائزة الملك عبدالعزيز، للمحافظة على مصادر تاريخ المملكة وجمعه، وتقدم منحة للباحثين والباحثات من جميع الأعمار. و(جائزة ومنحة الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية)، وتبرع الملك سلمان بقيمتها من ماله الخاص، ووافق على إقامة جائزة الملك عبدالعزيز للكتاب التي تُمنح للكتب المؤلفة والمحققة التي تتفق مع أغراض الدارة، ومن ذلك أيضًا رعايته وحضوره افتتاح فعاليات الندوات الملكية؛ وفاءً لإخوانه الملوك وعرفانًا لدورهم في بناء الوطن ودعمًا لهذه الفكرة العلمية التي اضطلعت بها الدارة. ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عقب توليه الحكم وزيارته الملكية للمدينة المنورة، بأن تسهم دارة الملك عبدالعزيز في دعم المكتبات الوقفية في المدينة المنورة، بتنظيمها معرض المخطوطات في المدينة المنورة، وإسهام الدارة في مجمع المكتبات الوقفية في المدينة المنورة، لضم المكتبات التاريخية المتعددة التي عرفت بها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء الخاصة أو العامة لتقديم أفضل الخدمات لها ورعايتها حفظًا وصيانةً ودراسةً وتقديمها للعالم بصفتها أثرًا إسلاميًا وعربيًا زخرت به الجزيرة العربية والمملكة، وانضمت إلى هيئة المخطوطات الإسلامية بلندن.
فعاليات وندوات ومهرجانات
وإثر النجاحات المميزة التي حققتها الدارة في إدارة الفعاليات العلمية والثقافية، تكوَّنت لدى الدارة خبرات إدارية وبشرية جعلتها قادرة على إدارة الفعاليات والمناسبات، ومن ثم جاءت الثقة الملكية من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتكليف الدارة بتأسيس وتنظيم مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، إذ صدر أمر سامٍ كريم بتولي دارة الملك عبدالعزيز الإشراف والتنظيم للمهرجان تحت إشراف ومتابعة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وتعاضدت الدارة مع مجموعة من الجهات ذات العلاقة في تنظيم هذا المهرجان؛ وفي مقدمتها وزارة الداخلية، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، ووزارة الصحة، والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الثقافة والإعلام وعدد من الجهات التي تعمل ضمن فرق مشتركة لتنفيذ مهرجان يتواكب مع مكانة المملكة والمناسبة. ومن مقولات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أحد اللقاءات العلمية: «الدارة بيت للجميع»، فكانت بمنزلة توجيه للمسؤولين في الدارة، وتعبيرًا للباحثين والباحثات عن أن هذه المؤسسة العلمية المتخصصة تحت خدمة الدراسات والبحوث، لتكون رافدًا ومرجعًا في الوقت نفسه لحركة البحوث والدراسات ذات العلاقة، ما جعل كثيرًا من الباحثين والباحثات يتفقون على أن خادم الحرمين الشريفين ذاكرة التاريخ الوطني ومرجع رئيسي في الشأن التاريخي الوطني.
وثائق الدارة.. سرديات وطنية تؤسس لوعي الأجيال
أطلقت دارة الملك عبدالعزيز مبادرة (وثائق الدارة)، لتُعيد رسم العلاقة بين المجتمع وإرثه التاريخي عبر مشروع معرفي متفرِّد، يضع الوثيقة في مكانها الطبيعي، جسرًا بين الماضي والحاضر، ونبراسًا يرشد الباحثين والمؤرخين وصنّاع المعرفة نحو قراءة أعمق لتاريخ الوطن واستشراف أوسع لآفاقه القادمة.
تأتي المبادرة امتدادًا لدور الدارة كمرجع وطني لحفظ الذاكرة السعودية وصيانتها، إذ تسعى إلى إتاحة آلاف الوثائق التاريخية النادرة والمخطوطات والصور والخرائط والتاريخ الشفوي، في فضاء رقمي موحّد، يضمن سرعة الوصول وسهولة التصفح، وفق معايير علمية دقيقة تحفظ القيمة وتضمن أصالة المعلومة. ولأن الوثيقة ليست مجرد ورقٍ يشيخ مع الزمن، بل شهادة حية على التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أرادت المبادرة أن تعيد لهذه الشهادات بريقها، فتجعلها رافدًا معرفيًا للباحثين، وملهمًا للمؤلفين وصنّاع المحتوى، وأداة وعي للأجيال الجديدة، كي ينهلوا من معينها، ما يعزز الهوية الوطنية ويرسّخ الانتماء.
وتبرز ضمن المبادرة وثائق نادرة ومتنوعة تحمل توجيهات مباشرة من الملك المؤسس عبدالعزيز طيّب الله ثراه تعكس حرصه البالغ على متابعة شؤون الدولة في بدايات تأسيسها، واهتمامه العميق بمصالح المواطنين في جميع أنحاء المملكة. وتكشف هذه الوثائق ملامح القيادة الحكيمة في رسم السياسات وتنظيم المؤسسات ونشر الأنظمة والقوانين الوطنية، كما تسلّط الضوء على إنجازات القيادة في مختلف المجالات. فهي تمد المؤرخين بمعلومات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية دقيقة، وتعين على تحليل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتوثيق بدايات المؤسسات الوطنية، بما يعزز وعي الأجيال ويكرّس الانتماء الوطني من خلال المعرفة بالجذور التاريخية.
فيما المجموعات الشخصية في «وثائق الدارة» تعدُّ رافدًا نوعيًا ومصدرًا تاريخيًا فريدًا، إذ تضم وثائق شخصية نادرة لشخصيات بارزة كانت لها أدوار قيادية وثقافية ودبلوماسية مهمة. وتشمل هذه المجموعات مراسلات ومذكرات وتقارير ومسودات وتوجيهات، توثق مراحل مفصلية على المستويين الوطني والعربي، وتبرز جوانب إدارية وتنظيمية وثقافية متعددة، فضلًا عن إبرازها أنماط التواصل الرسمي والشخصي. ومن بين أبرز الأسماء التي تتضمنها هذه الوثائق: صالح بن عبدالواحد، محمد رشيد رضا، شكيب الأموي، عبدالرحيم بن عبدالرحمن بن عبدالرحيم، عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، محمد سرور الصبان، رشدي بن صالح ملحس، عبدالوهاب أبو ملحة، محب الدين الخطيب، عمر بهاء الدين الأميري، خالد القرقتي. وتكتسب هذه الوثائق أهمية خاصة لكونها مصادر أصيلة غير منشورة، تكشف عن تفاعل القادة مع المجتمع، وتعكس أبعادًا إنسانية ومجتمعية عميقة. تُسهم «وثائق الدارة» في فتح نوافذ غير مسبوقة على التاريخ الوطني، من خلال رحلة متكاملة تمر بها كل وثيقة من الاستحواذ والفحص والترميم، إلى الرقمنة عالية الدقة، ثم الأرشفة وفق أحدث النماذج العالمية، وصولًا إلى الإتاحة الرقمية للباحثين والجمهور. وهي رحلة تحاكي في رمزيتها مسيرة الوطن نفسه؛ بناءً على أسس متينة، ثم تطور متدرج، فإشراق يتاح للجميع.
وتتجاوز المبادرة كونها مشروعًا تقنيًا إلى كونها رسالة وطنية تحمل أهدافًا كبرى؛ حماية الذاكرة السعودية، تمكين الباحثين من محتوى موثوق، دعم الأبحاث الأكاديمية والرسائل الجامعية، تحويل الوثائق إلى مصدر إلهام للإبداع الأدبي والفني. كما تنسجم هذه الأهداف مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، في تعميق التحول المعرفي والرقمي، وتعزيز مكانة المملكة كحاضنة للهوية ومركز لإنتاج المعرفة.
إن «وثائق الدارة» ليست مجرد منصة، بل وعدٌ متجدد بأن التاريخ السعودي لن يكون حبيس الأرفف، بل حاضر في ذاكرة الأجيال، ووقود لصناعة المستقبل.
الدارة مكانًا ومكانة
تعد الدارة مؤسسة ثقافية وطنية تقع في مدينة الرياض، ورسالتها التميز في خدمة تاريخ المملكة، وتراثها، وجغرافيتها، حفظًا، وتنميةً، وإتاحةً، ونشرًا، وتوثيق المصادر والمعلومات التاريخية المتعلقة بالمملكة، والعالمين العربي والإسلامي بجميع أنواعها، وجمعها، وأرشفتها، وإتاحتها للجمهور، بما فيها الوثائق، والكتب، والمخطوطات، والصور، والأفلام، والروايات، والصحف، والخرائط، والبرامج الرقمية، وإعداد البحوث والدراسات في مجال عمل (الدارة)، والقيام بأعمال النشر، والترجمة، وتشجيع الباحثين، ودعم دراساتهم، وبحوثهم، وأنشطتهم، وإقامة المعارض، والملتقيات، وعقد الندوات العلمية، وجلسات العمل، وتنفيذ البرامج والتطبيقات عن التاريخ، والتراث الوطني والعربي والإسلامي، وتبنّي مبادرات التواصل والإعلام، لنشر التاريخ الوطني والعربي والإسلامي، وبناء شراكات فعّالة محلية وعالمية لتطوير البرامج البحثية المشتركة، وتبادل المواد التاريخية، وتطوير التواصل؛ وفقًا للإجراءات النظامية المتبعة، وإنشاء القاعات التذكارية، والمتاحف، وإدارتها، وإدارة القصور الملكية التاريخية، والمحافظة على المواد التاريخية بالترميم، والتعقيم، والمعالجة، وتقديم المشورة والتدريب لمختلف الجهات الحكومية، والخاصة، والأفراد، في ما يتعلق بالمعلومات والمواد التاريخية.
أخبار ذات صلة