شعوب طيبة… وحكومات منتخبة لا تمثلهم بحق.. ! أخبار السعودية
يقول عالم السياسة الأمريكي «فرانسيس فوكوياما» إن: التطور البشري قد وصل (سياسياً واقتصادياً) إلى نهايته، وذروته، بانتصار الديمقراطية الليبرالية (سياسياً) والرأسمالية المعتدلة (اقتصادياً)، على كل ما عداهما؛ خاصة «الشيوعية»، والفاشية… حيث أصبح لزاماً على من يريد التقدم والحداثة الأخذ بهما، ونبذ ما سواهما، من أيديولوجيات وعقائد… كلها يجب أن تذهب في ذمة التاريخ أو في أرشيفه أو تتوارى، بعد أن فشلت وهزمت، وأمست متخلفة، وقاصرة، أمام هذين التوجهين؟!
أكد فوكوياما بأن «الديمقراطية الليبرالية»، بقيمها المتفرعة منها، خاصة: الحرية، العدالة، المساواة، سيادة الشعب، المصحوبة بالليبرالية الاقتصادية (الرأسمالية ذات الضوابط) يعتبر وصول الإنسان إليها، وتبنيها، نهاية رقيه وتطوره الأيديولوجي (أي المرحلة الأخيرة والنهائية لهذا التطور) بصرف النظر عن تفاصيل تبني أي مجتمع للديمقراطية الليبرالية (سياسياً)، والرأسمالية الليبرالية (اقتصادياً). وتلك النتيجة تمثل «نهاية التاريخ»، في رأيه.
****
ولسنا هنا بصدد نقد أطروحة فوكوياما، بل لتأكيد حقيقة أن معظم، أو حوالي نصف، سكان العالم، وخاصة في الغرب، ليبراليون. ولكن كثيراً ممن يحكمونهم الآن ينحرفون، لمصالح خاصة بهم، عن الخط الليبرالي، نحو اليمين، واليمين المتطرف، أحياناً… رامين بعرض الحائط القيم الليبرالية المعروفة. فما تفسير ذلك؟! هناك ثلاثة احتمالات: إما أن الناخبين قد أصبحوا يميلون نحو اليمين، أو أن من تم انتخابهم لم يعودوا يمثلون الناخبين، أو أن النظام الديمقراطى أمسى عاجزاً عن تحقيق معادلة: حكم الشعب، بالشعب، وللشعب.
يبدو أن المسببين الأول والثاني، هما وراء هذه الردة السيئة؛ فالنظام الديمقراطي أسيء استخدامه هنا. وهذه الإساءة لا تعني إطلاقاً وجود عوار كبير فيه. فما هو بديله العملي؟! هناك نسبة لا بأس بها من الناخبين قد بدأت تميل نحو اليمين وهناك حكام منتخبون يستغلون أي ثغرة لـ«الاستبداد» بالرأي، واتخاذ مواقف يمينية سياسية، تتعارض مع رغبة غالبية الناخبين، ولكنها تحقق لهم مصالح خاصة جداً… منها إرضاء اللوبي الصهيوني.
****
لقد كشفت حرب روسيا الحالية ضد أوكرانيا الكثير من حركات الاستبداد السياسي، التي كان مسكوتاً عنها، أو متجاهلة، أو سرية، أو بالغة الخبث. ثم جاءت حرب الإبادة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزة، لتعري معظم حكومات الغرب، وتكشف حقدها، وميلها للاستبداد، إرضاءً لأسيادها الصهاينة، وضرباً بالحائط بكل قيم الحرية، والعدالة. من ذلك، حقيقة التوجه العام لحكومات الغرب المتنفذ. ولجوء معظم هذه الحكومات إلى الغدر، والتآمر، وخرق كل حقوق الإنسان، وخدمة مصالح خاصة ضيقة، والتضحية بأرواح ومصائر بعض الشعوب، دون مبرر. إضافة إلى النظرة العنصرية والاستعلائية، والاستغلالية للشعوب «الملونة» (غير الشقراء). فمثلاً، دفع الغرب المتنفذ روسيا دفعاً لغزو أوكرانيا. وهذا الغزو يعتبر ظاهرياً عدواناً فاضحاً على دولة مستقلة، وذات سيادة، ويجب استنكاره. ولكن تحليل دوافع روسيا للإقدام على هذه الهجمة، يؤكد، دون أدنى شك، خبث وتآمر الغرب المتنفذ… الذي «اضطر» روسيا للقيام بهذا الهجوم، دفعاً لخطر فادح محتمل.
أما العدوان الصهيوني المسلّح على الشعب الفلسطيني في غزة (و90% منهم أعزل) وارتكاب المجازر، وعمليات الإبادة الجماعية ضد هذا الشعب المسكين، وعلى مرأى ومسمع العالم، فيقولون إنه «دفاع إسرائيلي عن النفس»…؟! متناسين أن ليس للمحتل «حق الدفاع عن النفس». نكث الغرب المتنفذ بوعوده، وتعهداته، بعدم توسع حلفه (ناتو) شرقاً. استغل انشغال روسيا في مشكلاتها الداخلية، فتوسع إلى حدودها الغربية. وضم دولاً متاخمة لروسيا، واضعاً بعض قواته وصواريخه قريباً من البر الروسي. وعندما قويت روسيا، تنبهت لهذا الاقتراب سيئ المقصد، وبدأت تدعو لوقفه. ولكن الغرب المتنفذ استمر في التوسع شرقاً، غير مبال بالمخاوف الأمنية الروسية، وغيرها. وغير مبال برغبة معظم شعوبه في عدم الدخول في صراع خطير مع روسيا. وفي عدم التسبب بنشوب حرب عالمية ثالثة، لا تبقي ولا تذر. فقرر ضم أوكرانيا للناتو، وهي الدولة الأقرب لروسيا. وكانت روسيا تراقب هذا الوضع بقلق، وغضب شديد. ثم اندفعت لغزو أوكرانيا ابتداء من يوم 4 فبراير 2022م.
لكن قمة نفاق، وخبث حكومات الغرب المتنفذ، تجلت في موقفها الإجرامي الداعم لما بدأت إسرائيل ترتكبه من حرب إبادة جماعية، ضد المدنيين الفلسطينيين، في غزة، وكل فلسطين. فهي لم تكتف بتأييد هذه المجازر الصهيونية، بل أخذت تمد إسرائيل بالأسلحة، لتقتل بها الفلسطينيين، وتدمر بيوتهم ومنشآتهم، وبشكل غير مسبوق، في التاريخ الحديث. وعمل أغلب ساسة الغرب المتنفذ ذلك، وما زالوا، عكس رغبة شعوبهم، رغم مطالبة أغلب هذه الشعوب، بوقف هذه المجازر. ولهذا الحديث صلة.