شقراء المدخلية: أختبئ خلف الثلاجة ! أخبار السعودية
• ما رسالتك لرمضان وللصائمين ؟
•• كلما اتسعت مدارات الحنين في قلوبنا كان رمضان الطيب موجعاً، إذ لا يليق بهذه الأيام سوى الوصال والاجتماع، سفرة الإفطار، وقهوة ما بعدها، صفوف التراويح، والكركرات على مائدة السحور، اجتماع العائلة، والحارة، والأصحاب، ضجيج الدعوات المتبادلة وآمين آمين رمضان الطيب الحنون يكتمل في اللمة الأسرية الحميمة ويضيع وتنفرط حباته إن مزقته الغربة لا سيما غربة الأبناء.
في قلب كل أم شرخ بمقدار الفقد الذي يتسع كلما زاد عدد الغائبين.. وفي قلوب الأبناء فجوة تكبر كلما زادت مدة اغترابهم، فجوة تبتلع سعادتهم وتطفئ أنوارهم.
وعندما أقول الأم فأنا أعني ذلك تماماً، فوحدها المعنية بلم شتات الأسرة ورص الأطباق وإعداد الأطعمة، وهي الوحيدة التي تشم رائحة الغائبين في كل طبق تعده وترى صورتهم في جميع المقاعد الفارغة أمامها.
أما من حال الموت بينه وبين أحبابه ففجيعته عظيمة وألمه المتجدد لا ينفد، كيف لا ورمضان شهر العناق والدعاء والبكاء، رمضان الطيب الحنون، شهر التشافي بالأحباب وليس من الأحباب أو عنهم.
معركة الصغار الحقيقية
• متى بدأت الصوم ؟
•• بدايتي مع الصيام أظنها كانت في التاسعة من عمري وأنا طالبة بالصف الثالث الابتدائي، ولا أظنه كان صياماً بالمعنى الحرفي للصيام، بل محاولات للصوم تنجح مرة وتفشل مرات.
• هل غلبتك الشقاوة فمثلت أنك صائمة وأنت مفطرة (وراء الزير) ؟
•• لم يكن زيراً، بل ثلاجة كبيرة في مطبخ أمي كنت أختبئ خلفها بعد عودتي من المدرسة، وأختلس بعض الرشفات من الماء ثم أعود لإكمال صومي، وهذا ضمن محاولاتي الفاشلة للالتزام بالصيام في صفوفي الابتدائية.
• كيف كانت يوميات الصائمين قبل التواصل الاجتماعي ؟
•• سأحدثكم قليلاً عن رمضان البعيد عن ثورة الاتصال والتواصل الإلكتروني، رمضان البسيط في منزل أمي وقرب جدتي، رحمها الله، كانت طقوس الصوم تبدأ بوجبة السحور التي تعدها والدتي، والتي كانت تتكون في الغالب من طبق المفالت أو المرسة الجازانية مقرونة بصحن الكبسة، وحين أبدأ بها فهذا لأن معركتنا الحقيقية كصغار تبدأ تلك اللحظة، حيث يتوجب علينا الاستيقاظ لتناولها بعد أن غططنا في نوم عميق، وفي الصباح ننهض ثانية للذهاب للمدرسة، وعند عودتنا تكون أمي، حفظها الله، قد اتخذت مكانها في المطبخ بمعية جدتي التي تطل بين الفينة والأخرى لتفقد الأحوال، وفي الثالثة عصراً كان عليّ بصفتي البنت الكبرى الذهاب لأحواش جدي القريبة لجمع القصب اليابس الذي تستخدمه أمي لإشعال النار تحت «مِلَحتها» الفخارية التي تستخدم لخبز اللحوح، أما قبيل المغرب فأقوم مع إخوتي بدور المرسول، حيث نحمل صحون الطعام المختلفة والمتنوعة إلى منازل الجدات والجارات وصديقات العائلة، أما الصحن الكبير والمميز الخاص بالمسجد فتحمله جدتي، رحمها الله، بعد أن تضيف إليه الكثير من مطبخها، وهكذا لا أظن أن هناك متسعاً لشيء آخر في نهار رمضان غير العمل وسماع إذاعة القرآن الكريم التي كانت وما زالت رفيقة المطبخ. وبالنسبة لنا الصغار كنا نتابع بعض مسلسلات الكرتون على القناة السعودية والقناة اليمنية التي تظهر أحياناً وتنقطع أحياناً، بينما يلازم والدي غرفته قارئاً للقرآن وكتب الأدب العربي.
القصيدة شفافية حميمة
• لو لم تكوني شاعرة، أي فن كنت تختارين ؟
•• كنت سأكون شاعرة أيضاً، ولا أعتقد أن لدي القدرة لأكون شيئاً آخر رغم افتتاني المطلق بالموسيقى والرسم.
• ماذا أعطتك القصيدة، وماذا أخذت منك ؟
•• أعطتني الكثير جداً، الإحساس بهويتي وكينونتي وانتمائي لذات أحبها، أعطتني الشفافية الحميمة والهشاشة المرهفة، كما أعطتني القلق والسهر والتشظي المرهق اللذيذ، كما أن للقصيدة فضلاً كبيراً على شقراء، فهي بوابة عبوري للآخرين ومفتاح وصولي لقلوب المتابعين والقراء. أما عن ماذا أخذت، فهي بلا شك أخذت السكينة والهدوء والعلاقات الاجتماعية، أخذت ربما السذاجة المطلوبة للضحك
والحماقة اللازمة لتخطي العمر والحياة.
• هل تتقاعد الشاعرة، ومتى ؟
•• لا تتقاعد أبداً.. الشاعرة تموت.. إما أن تحيا بالشعر أو تموت من دونه.
شجار ما قبل الأذان • أيهما أكثر مرونة إنسان الجبل أم السهل ؟
•• لكل بيئة إنسانها الذي يحمل بداخله شيئاً من تفاصيلها وملامحها، وكما أن للسهل سهولته وانبساطته واتساع مداراته فإن للجبل شموخه وتصاعده وجلال هاماته، لذلك لا أعتقد أن المقارنة منصفة، وإن كانت الصورة النمطية الشائعة تلوح لصالح إنسان السهل.
• ما الشخصية المحببة لك في رمضان ؟
•• عن الآخرين ليست لدي شخصية معينة أثيرة، أما عن شقراء فأنا أحبها بشخصية الأم الحنونة القريبة من صغارها ومنزلها، الطاهية الجيدة التي تأسر قلوب أبنائها بأطباقها.
• ماذا تقرئين خلال شهر رمضان ؟
•• إضافة للقرآن الكريم، أحرص على قراءة كتب الأدب العربي لاسيما المتعلقة بأخبار العرب وحكاياتهم وأشعارهم ونوادرهم، رمضان فسحة للتخفيف عن الروح من ثقل القراءات والتعب لذلك أفضل هذا النوع من الكتب.
• ما الطبق الأثير على مائدة إفطارك ؟
•• مائدتي لا تختلف عن المائدة السعودية، السمبوسة بحشواتها المختلفة، والشوربة واللقيمات، كلها أطباق يومية وأثيرة، أما إذا أردت تدليل أبنائي فأنا أدللهم ببنت الصحن اليمنية الأصل.
• عادة يساعدك رمضان على تركها ؟
•• كنت سأقول القهوة بعد الاستيقاظ لكني فعلاً تخلصت من هذه العادة واستبدلتها بشرب الشاي بين الفينة والأخرى، لذلك يمكن أن يكون السهر هو العادة التي يخلصني رمضان منها، فأنا في رمضان أنام جيداً على الأقل.
أنا والتلفزيون• ما البرنامج التلفزيوني الذي تحرصين على متابعته ؟
•• لا أبالغ إن قلت إن علاقتي بالتلفزيون شبه معدومة تماماً من عدة سنوات، ومع ذلك فأنا أتابع بعض الحلقات من برنامج الليوان.
• لمن توجهين دعوة للإفطار معكم ؟•• لكل أطفال سورية المنكوبين في الحرب والزلزال، هم الوحيدون الذين أتمنى حقاً لو استطعت عناقهم وتقديم الوجبات لهم.
• ما الذي تفتقدين في رمضان ؟•• أفتقد الكثير، الكثير ممن غيبهم الموت أو أبعدتهم الغربة، أفتقد منزل أمي واجتماعنا بين يديها، أفتقد جلوس بناتي معي على مائدة الإفطار، شجارنا قبيل الأذان، دعوات الجدات، أفتقد وجه زهراء امقايد، رحمها الله، قبيل المغرب محملة بأكياس الفل تنثرها لتبيعها 10 بريال..
• ما الذي تودين لو أن كل الناس تلتزم به ؟
•• السلام والتسامح مع الرأي والرأي الآخر، وأعني به البعد عن كل تلك المهاترات الفارغة التي لا طائل منها.
لن أعيش في جلباب أبي • أي عمل تلفزيوني عصيّ على النسيان ؟ •• كثيرة هي الأعمال الجميلة والخالدة والتي تركت أثراً في نفوسنا منذ الصغر، يحضرني الآن مسلسل الرحايا، لن أعيش في جلباب أبي، الليل وآخره، شيخ العرب همام وغيرها.
• لماذا يغلب على كلمات الأغنيات ومواضيع المسلسلات التكرار ؟
•• لأن شركات الإنتاج هي ذاتها غالباً، وكذلك فريق العمل تختلف الوجوه ولكن العقول ذاتها برؤية ضيقة وفكرة ضئيلة تبحث عن الضوء والشهرة.
• ما رأيك بالأعمال التاريخية في رمضان ؟
•• لا أتابعها، ولكن بعد نجاح مسلسل عمر شاهدته كاملاً، وأعتقد أنه من أجمل ما قدمته الدراما الرمضانية.
• كيف تتجاوز الشاعرة نفسها ؟
•• الشاعرة الحقيقية لا تفعل لأنها مادة قصائدها وجوهرة ما تكتب وتجاوز الذات يعني الانخراط في ذات أخرى قد لا تشبهك وقد تكون نسخة مشوهة عن أحلامك ورؤاك.
• هل تتحكم المجاملة في إقحام غير الموهوبين على المهن والفنون ؟
•• المجاملات جزء من ثقافتنا للأسف وجميعنا مضطر إليها بين الفينة والأخرى،
الأمر الذي نتج عنه وجود غير الموهوبين في صفوف أهل الفن والإبداع، ولكن العزاء في ذلك وعي وإدراك الجماهير الذين يمتلكون حساً نقدياً جاداً يمكنهم من التفرقة بين الغث والسمين.