علي عطا: لا مؤامرة لتسييل الثقافة.. وبائع ضميره بائس أخبار السعودية
• ماذا تعني إناطة رئاسة تحرير (سلسلة الإبداع) لشخصكم الكريم؟ وما الذي تستشعره من هذه الإناطة؟
•• تشرفت طبعاً بقرار رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين إسناد رئاسة تحرير سلسلة الإبداع العربي لشخصي، وأرجو أن أكون على قدر هذه الثقة التي تم التعبير عنها في نص القرار كالتالي «إننا إذ نثق في قدرتكم على النهوض بهذه السلسلة، بما تمتلكونه من إسهامات ثرية في المشهد الثقافي والفكري، ورؤى ثاقبة وعميقة، يسعدنا توليكم رئاسة تحريرها». وبالطبع أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه هذا العمل خلفاً لقامة ثقافية كبيرة تتمثل في الشاعر والروائي سمير درويش، وإن شاء الله أبني على ما أقامه هو خلال السنوات الماضية، مع مدير تحرير السلسلة الشاعر عادل سميح. وعموماً أنا مستبشر خيراً، فالهيئة المصرية العامة للكتاب التي تصدر هذه السلسلة هي أكبر دار نشر في العالم العربي، ويترأسها، حالياً، مثقف متميز هو الدكتور أحمد بهي الدين؛ الذي استشعرت خلال لقائي معه عقب صدور القرار بأنه راغب في النهوض بإصدارات الهيئة المختلفة، خصوصاً في الشق الخاص بالانفتاح على حيزنا العربي الواسع؛ متمثلاً في مبدعيه من المحيط إلى الخليج. وقد اتفقنا على توسيع دائرة ما تنشره السلسلة لنضيف إلى الشعر والرواية والقصة، المسرح والسيرة والنصوص العابرة للنوعية. وأرجو أن يحالفني التوفيق في تحقيق ذلك.
• ألست قلقاً على الصحف والمجلات؟
•• لست قلقاً، فهي تلبي حاجة إنسانية لا غنى عن تلبيتها؛ ورقياً وإلكترونياً. وفي هذا السياق أنا لست ممن يقولون بنهاية الورقي ليحل الإلكتروني محله، بل أنا أكاد أثق في أن الإلكتروني عارض، والورقي هو الذي سيستمر في المستقبل. وأياً كانت صيغة النشر؛ ورقيةً أو إلكترونيةً، فإن المهم هو الارتقاء بالمضمون لاجتذاب القراء ونيْل ثقتهم. تعيش البشرية فترة انتقالية في عمرها المديد، وسيتم تجاوزها حتماً، في ظل التطورات المتسارعة تكنولوجياً، ولكن حاجة الإنسان إلى المعرفة والصحافة ستظل وسيطاً مهماً جداً لتحصيل تلك المعرفة، إلى قيام الساعة.
• هل الإبداع العربي بخير؟
•• نعم بخير، ولا أجد هنا حرجاً من ذكر مثال بسيط يؤكد ذلك، وهو سلسلتنا المخصصة له، كما أن هناك مؤشرات أخرى مهمة على أن الإبداع العربي بخير؛ على رأسها الجوائز التي يحصل عليها المبدعون العرب، ليس في بلدانهم فحسب، ومنها جائزة الملك فيصل، والبوكر العربية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الملتقى، وجائزة كتارا، وجائزة ساويرس، ولكن أيضاً في العالم، كما في جائزة معهد العالم العربي في باريس والبوكر البريطانية، وجائزة نوبل، فعلى لائحة مرشحيها دائماً ما تجد مبدعين يكتبون بالعربية. وأظن أن الإبداع العربي سيجد صدىً أوسع على مستوى العالم في حال بذل المزيد من الجهد والمال في سبيل ترجمته للإنجليزية، وغيرها من اللغات الأجنبية. ويمكننا في هذا الصدد أن نلاحظ طفرة في ترجمة الأدب العربي، بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988، مقارنة بما كان عليه الحال قبل هذا الإنجاز التاريخي.
• ما رأيك في من يصف العصر بتسييل الثقافة؟ وما سبب التسييل؟
•• لا أتفق معهم في هذا الوصف، في حدود فهمي له على أنه أمر يهدد الهويات الثقافية المختلفة ليقولبها في سياق عولمي. فالثقافة قوة ناعمة، تبني ولا تهدم، ما دامت تسري في أجواء تحترم حرية التعبير في الحدود التي إذا تم تجاوزها، فربما تقع أضرار على مجتمع إنساني ما، مع قناعتي بأن هناك من يرفض أن تكون هناك حدود لحرية التعبير عن الرأي. لست مع من يرون أن هناك مؤامرة هدفها «تسييل الثقافة»، على حد تعبيرك، أو تعبير آخرين يرون دائماً أن هناك من يستهدف ثقافتهم ويسعى إلى تغييرها لتوافق هواه. الثقافة أشبه بكائن حي، من الطبيعي أن يتطور، وأن ينتقل من طور إلى آخر، بمرور السنين، فيتعايش في سياقها ثابت ومتحول، بتعبير أدونيس. التلاقح حتمي، ما دام البشر بثقافاتهم المختلفة يتواصلون مع بعضهم بعضاً، تأثيراً وتأثراً.
• كيف يمكن النهوض بالثقافة الصلبة؟
•• كما قلت في إجابة السؤال السابق، دائماً ما توصف الثقافة بالنعومة، ولا أدري لماذا قد يصفها البعض بالصلبة. هل المقصود الثقافة الجامدة؟ أصلاً لا ينبغي أن تكون في عالمنا ثقافة جامدة، وإلا فإنها حتما ستفرز تعصباً أعمى لا يمكن أن تحمد عقباه. هذا طبعاً في حدود فهمي لهذا المصطلح، وقد يكون فهماً غير دقيق!
• هل تعوّل على جامعة الدول العربية في إحياء الفعل الثقافي؟
•• لا أعوّل عليها في أي شيء في هذا الصدد، فحالها فيه لا يقل سوءاً عن حالها في الشأن السياسي وفي الشأن الاقتصادي، منذ أن تأسست وإلى الآن. هذا من واقع حال ذراعها الثقافية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وهذا ما نراه من عجزها عن عقد قمة ثقافية عربية لطالما انتظرناها. ثم إن الفعل الثقافي لم يمت لننتظر من الجامعة العربية أن تحييه. يمكن للمتفائلين أن ينتظروا منها أن تدعمه، لا أن تحييه، ذلك لأنه حي يرزق، وعلامات ذلك أكثر من أن تحصى، ومنها الحراك الثقافي المتنامي في غير بلد عربي، سواء بجهود رسمية أو أهلية. وبالطبع لم نصل بعد إلى حد الاكتفاء في هذا المضمار، ولن نصل، فطموحات المثقفين وأمانيهم لا سقف لها، ودائما يسألون: هل من مزيد؟
• متى شعرتَ بأن الثقافة العربية في خطر؟ ولماذا؟
•• من إجاباتي على الأسئلة السابقة تستطيع أن تلاحظ أنني لا أرى أن الثقافة العربية في خطر، إلا من الأفكار الظلامية الخطرة على الثقافة المحلية والإقليمية والإنسانية، كونها لا تريد لنا أن نتقدم، وهي بالمناسبة مماثلة من حيث هدفها لأفكار فرق منا تدعي الاستنارة، لكنها لا تكف عن ذم الثقافة العربية والحط من شأنها والزعم بأنها عالة على الثقافة الغربية.
• هل أمات الإسلام السياسي الثقافة باتهامها في مقتل؟
•• الثقافة لم تمت، ولن تموت، لكنها بالطبع قد تمرض، ثم سرعان ما تتعافى. وفي اعتقادي أنه ما من سياسة في أي مكان في العالم بلا ظهير ديني، حتى في البلاد التي نصفها بالعلمانية، في الغرب وفي الشرق، وفي الشمال وفي الجنوب. وهذا أمر مختلف عن الحركات التي ترفع راية الإسلام لتحقيق غايات سياسية، وفي بلادنا ستجد أنها صنيعة نظم سياسية واستخبارية، من جماعة (الإخوان المسلمين)، إلى (داعش)، وبينهما (التكفير والهجرة)، وغيرها مما لا مجال هنا لذكره تفصيلاً.
• من خلف الدكاترة عبدالرحمن بدوي وحسن حنفي وجابر عصفور؟
•• ما أعرفه هو أنهم جميعاً مصريون، تخرجوا في كلية الآداب في جامعة القاهرة، وكل منهم ترك إرثاً فكرياً، يقبل السجال بشأنه؛ اتفاقاً واختلافاً. أما من خلفهم، فلا أعرف بالتأكيد، فإذا كنت أنت تعرف، فليتك تخبرني!
• لماذا المثقف العربي بائس في الغالب؟
•• ربما مادياً، ويكاد ذلك ينطبق على غالبية من يحمل هذه الصفة في أي مكان في العالم، لكن المثقف عموماً هو عصب نهوض أي مجتمع يؤمن بحرية التعبير. ومع ذلك فصفة البؤس من الممكن أن تنطبق على مثقفين أثرياء مادياً، لكنهم باعوا ضمائرهم واتخذوا من الانتهازية والوصولية منهج حياة، وهؤلاء تجدهم دائماً يجاملون السلطة أياً كانت طبيعتها.. وهم في ذلك مثلهم مثل غيرهم ممن ليسوا بالضرورة مثقفين.
• أين تقع مصر إثر تفكيك مركزيات الثقافة؟
•• لا تزال من مراكز إنتاج الثقافة واستهلاكها، إذا جاز التعبير، حتى بعد انتهاء صيغة المركز والأطراف. نحن الآن نعيش في ظل تعدد مراكز الثقافة العربية، من الدار البيضاء إلى الرياض والشارقة، وصنعاء، ومسقط، والكويت، والدوحة، والمنامة، وبيروت وبغداد ودمشق. طبعاً حدثت هزة تركت تأثيرات سلبية على بعض المراكز التقليدية بسبب ما ترتب على انتفاضات ما يسمى خطأ بالربيع العربي، كما في بغداد ودمشق مثلاً، وبسبب تجدد الاحتراب الأهلي في اليمن والتهاب الصراعات الطائفية في لبنان في ظل هيمنة متزايدة لحزب الله. لكنني شخصياً أتمنى أن يتعافى الجميع وتتجدد الروح، كما بدأنا نلاحظ مثلاً في ليبيا من نهوض ثقافي واعد.
• بين الصحافة والرواية والشعر، كيف توزّع الاهتمام؟ وما الذي يستأثر بالذائقة؟
•• الصحافة استأثرت بالاهتمام الأكبر، لكنها بدأت تتوارى لصالح الإبداع منذ غياب جريدة (الحياة) التي عملت في مكتبها في القاهرة لنحو 30 عاماً، ومكتبها في الرياض لنحو ثلاثة أعوام، عقب تقاعدي رسمياً من العمل في وكالة أنباء الشرق الأوسط، سعدت بأن جمعت بعض جهدي الصحفي في كتاب (وجوه وكتب وقضايا في زحام عوالم افتراضية) الذي أصدرته عن دار (بيت الحكمة) في القاهرة. ذائقتي تميل إلى الشعر الذي أصدرت فيه ثلاثة دواوين إلى الآن، وفي طريقي لإصدار ديوان رابع، إلا أنني مهتم في الوقت نفسه بالاطلاع على ما يتيسر لي الاطلاع عليه من روايات ومجموعات عربية ومترجمة، وأسعد بمقاربات نقدية عنها أنشرها في (إندبندت عربية) و(النهار العربي) و(الفيصل) وغيرها من منافذ النشر الصحفي.
• بماذا خرجت من تجربة العمل الصحفي في المملكة؟
•• خرجت بالكثير؛ خبرة عملية مع قامات صحفية بارزة، على رأسها الأستاذ جميل الذيابي الذي سأظل مديناً له ما حييت لحسن تعامله معي ولمودته الأخوية الدافئة التي دامت لما بعد مغادرتي المملكة في فبراير 2007. كان مكتب (الحياة) في الرياض أشبه بجامعة عربية دولية، فكان هناك السعودي مع اللبناني والمصري والسوداني والفلسطيني والتونسي والمغربي والليبي، مع البريطاني والهندي والبنغالي وأيضاً الإريتري. كوّنت صداقات غالية ما زلت أحافظ على المودة مع أصحابها إلى اليوم، ومنها بالطبع صداقتي معك.
• ما انطباعك عن التحولات الثقافية في المملكة؟
•• سعيد بها جداً، وأتمنى لها من كل قلبي الازدهار فهي تصب في صالح العمل الثقافي العربي بشكل عام. هذه التحولات سواء في مجال النشر أو المسرح والسينما ونوادي الأدب، والاحتفاء بالمثقفين وما يبدعونه، والفعاليات المتعددة طوال العام في الرياض وجدة والدمام والظهران وسكاكا، وغيرها من المدن السعودية، لا تشمل فوائدها السعوديين فقط، بل إنها مفيدة جداً لكل عربي، بل وحتى لكل مستعرب.