كيف نخبر الناطقين بالإسبانية عن سياحتنا وترفيهنا؟
عندما ارتحل الخطوط السعودية عائدا من عاصمة مملكة إسبانيا مدريد إلى السعودية عبر مدينة جدة، أصادف أن الطائرة شبه ممتلئة من الإسبان أو القادمين من أمريكا الجنوبية، حيث يقومون بعملية “ترانزيت” للسفر إلى جنوب آسيا أو دول أخرى، ومعظم هؤلاء سياح دائما ما يجري نقاش بيني وبينهم حول عدم بقائهم في المملكة بدلاً من السفر لجنوب آسيا، وكان العامل المشترك في معظم الإجابات هي “قلة المعرفة” حول المملكة لدى هؤلاء السياح وخصوصا باللغة الإسبانية.
إن اللغة الإسبانية تأتي ثاني لغة من حيث كثرة المتحدثين بها والذين يقتربون من ٧٠٠ مليون إنسان، ويتم التحدث بها في أكثر من ٢٤ دولة في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، وهذا ما يجعل الاهتمام بهذه اللغة والمتحدثين بها أمر ضروري للاستفادة منهم في مجالات السياحة والترفيه، بل ويعدون جمهوراً نتشابه معه في سلوكيات كثيرة، ويستطيع هذا الجمهور أن يكون سندا في الكثير من الملفات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والرياضية.
ومن هذا المنطلق يبرز تساؤل؛ عندما أبحر في تخصصي في الدكتوراه في الإعلام الرقمي وخصوصاً في تخصصي الدقيق “المحتوى الإعلامي الرقمي” وهو كيف يمكننا أن نخبر الناطقين بالإسبانية أو غيرها بأنشطتنا في مجالات السياحة والترفيه؟ وكيف يمكننا الاستفادة من هؤلاء السياح في الوصول إلى مستهدفات رؤية المملكة 2030 ؟؛ للوصول إلى الإجابات فهذا يستلزم أن تكون هناك حلولا على المدى القصير والمتوسط والطويل للوصول للجمهور المستهدف، والاستفادة منه في دعم سياحتنا وترفيهنا.
إن رواية “القصة المؤثرة” تستلزم إنشاء مراكز إعلامية في أهم الدول الناطقة بالإسبانية والتي تلعب دوراً في الثقافة والاقتصاد والسياسة والإعلام ومن أبرزها: المكسيك التي تلعب دوراً محوريًّا في الثقافة اللاتينية، وإسبانيا التي تعد مهد اللغة الإسبانية والقوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا، والأرجنتين التي تشهر بثقافتها الغنية بما في ذلك الأدب والموسيقى والتانغو ولديها تأثير اقتصادي في أمريكا اللاتينية.
ومن الدول التي يمكن وضع مراكز فيها، كولومبيا التي تبرز كلاعبة رئيسية في الموسيقى والأزياء، وتشيلي اللاعبة المهمة في مجال الاقتصاد والسياسة في أمريكا الجنوبية، وبلا شك فإن العوامل التي تحدد أهمية الدول الناطقة بالإسبانية تؤثر فيها عدد السكان، والإنتاج الثقافي، والقوة الاقتصادية، والتاريخ والثقافة والسياسة، كما أن وسائل الإعلام لها دور فاعل في ذلك التأثير.
إن المراكز الإعلامية يجب أن تقودها كوادر سعودية بدلا من الاعتماد على الأجانب وخصوصا في مراكز القيادة، فالسعوديون يعرفون كيفية رواية قصتهم، وينتجون المحتوى الإعلامي المناسب الذي يستهدف الناطقين بالإسبانية، ولديهم القدرة على الإشراف على إدارة وسائل التواصل، كما سيكونون نقطة علاقات عامة للمملكة في هذه الدول، ويشاركون في التسويق الإعلامي والإعلاني، ويجرون أبحاث ودراسات إعلامية، كما يترجمون المحتوى المناسب بالإسبانية. أيضا يمكنهم وبكل اقتدار المشاركة في إدارة الأزمات الإعلامية التي تستهدف المملكة من قبل بعض الدول والمنظمات، وبلا شك فإن هذه المراكز الإعلامية يجب أن تكون خاصة وتلعب أدورا ثقافية في المجتمعات المستهدفة.
إن الأمثلة كثيرة في كيفية عدم وصول رسالتنا للناطقين بالإسبانية، فمثلا نستخدم في المملكة تطبيقي تويتر والسناب شات لدى قطاع عريض من الناس، بينما في أمريكا الجنوبية يستخدمون الفيس بوك عند طرح آرائهم وخصوصا لمن هم فوق سن الأربعين، أما من هم دون ذلك فيستخدمون تطبيق انستغرام في سائر حياتهم، وهذا ما يجب أن تعمل عليه المراكز الإعلامية في اقتناص المنصات والتطبيقات والمحتوى الملائم والمؤثر في هذه المجتمعات.
بقي القول، إن إدارة المراكز الإعلامية يجب أن تتكئ على أذرع اقتصادية خاصة، ويكون لها مراكز في الدول المؤثرة، وتعمل هذه الأذرع الإعلامية على إيصال تأثيرنا ومحتوانا للعالم. صحيح أن فعاليات مثل كأس العالم وإكسبو ٢٠٣٠ قد تكون كافية، لكن بالتأكيد سيكون مفعولها محدودا، ومثل هذه المراكز سيكون مفعولها مستمر وفعال وأبدي.
• باحث دكتوراه في الإعلام الرقمي، بجامعة كمبلوتنسي مدريد، إسبانيا