وما زال العالم متوجساً خيفة ! أخبار السعودية
إن عبارة «يتوجس المرء خيفة»، تعنى أن هناك خطراً فادحاً مؤكداً، يواجه ذلك المرء، أو طرفاً معيناً، ويثير فزعه، وقلقه، وخوفه من هلاك قادم في الأفق، وليس لرده من سبيل، إلا أن شاء الله، وحدثت معجزة. وهذا هو حال معظم العالم الآن، جراء هذا الصراع، الذي وصف بأنه أخطر ما يواجه العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
****
لقد انفرد هذا الغرب (ممثلاً بزعيمته أمريكا) بالنظام العالمي لحوالى ثلاثة عقود، 1991 2022م، كانت خلالها أمريكا هي القطب الآمر الناهي الأوحد. فكيف كانت هذه العقود الثلاثة؟! بالطبع، وفي حقيقة الأمر، لم تكن برداً وسلاماً وازدهاراً على العالم، بصفة عامة. بل سادت خلالها مظالم، وكوارث، واضطرابات، كان بالإمكان منع حصولها. كان العالم يتطلع إلى أن تعمل أمريكا بإخلاص، كدولة عظمى متنفذة، ومحترمة، يتطلع إليها العالم، طلباً للعون، على استتباب السلام والأمن والاستقرار الحقيقي بالعالم؛ وفق الأسس الصلبة المعروفة القائمة على الرضا الفعلي للأغلبية. وتلك مصلحة «مشتركة» بين دول العالم وأمريكا. حيث إن استتباب السلام والأمن والاستقرار على أسس حقة، يسهم في دعم سلام وأمن واستقرار أمريكا نفسها، وبقية العالم. صحيح، أن من الإجحاف أن يطلب من أمريكا وحدها كل ذلك؛ لأن المسؤولية الأساسية عن السلام العادل تقع على عاتق كل دول العالم، وليس على أمريكا فقط. ولكن أمريكا (الأقدر على المساهمة والمساعدة والدعم، بل والإنجاز) لم تفعل حتى الآن، في هذا الشأن، سوى القليل. فالعالم ما زالت تسود به الحروب والصراعات والقلاقل. وما زال سائداً ببعض أرجائه استقرار مصطنع، قابل في أي لحظة للتحول إلى عدم استقرار سافر. وأمريكا، باعتبارها صاحبة أكبر «نفوذ» عالمي، كانت وما زالت تستطيع عمل الكثير في هذا الشأن، خاصة إن اتبعـت مبدأ «الكل يربح»، ولم تستبعده، لتتبع مبدأ «لأربح، وليخسر الآخرون». ومما يلاحظ أيضاً على سياسة أمريكا نحو العالم، ومنه المنطقة العربية أن:
صديق الأمس قد يمسي عدو اليوم. والعكس يحصل خلال أشهر.
التدخلات لحل أغلب مشاكل العالم لا تسفر عن حلها، بل تفاقمها. وهذا يذكر بما قاله، ذات مرة، عراب السياسة الخارجية الأمريكية المعاصرة «هنري كيسنجر» بأن: أمريكا عندما تتدخل في أي أزمة، فيجب ألا تسعى لحلها، بل لاستخدامها لما يخدم المصلحة الأمريكية!
التقلب في المواقف، فما هو صحيح اليوم، يصبح خطأ غداً.
كثيراً ما يتم ضرب الأطراف ببعضها، فيحدث التصعيد.
ولكن أكبر (وأسوأ) ما يلاحظ على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية بخاصة، هو انحيازها التام لإسرائيل..، الذي يرتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها. حيث تعمل أمريكا لتحقيق أهداف إسرائيل أولاً.. حتى إن تناقضت مع مصلحة أمريكا نفسها. فلقد امتطى السياسي الصهيوني حصان الكاوبوي الأمريكي، وأخذ يوجهه في الوجهة التي تخدم الصهاينة، وتضر بسواهم. ومن المؤكد أن صاحب الحصان قابل للعب هذا الدور، وبكل ارتياح وسرور. لذلك، فإن معظم ما يحدث بالمنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب لصالحها، دون اعتبار لمنطق الحق والإنسانية والقانون.
****
والخلاصة، أن الغرب، هو المسؤول الأول والأساسي عن نشوب حرب أوكرانيا، وما ينجم عنها من تداعيات. فمنذ عام 1991م، بدأ الغرب يعمل على محاصرة روسيا، بهدف إضعافها، وتمزيقها. وتمدد حلفه (ناتو) شرقاً نحو روسيا، ليتمكن من الكيد لروسيا من جوارها المباشر. وينصب صواريخه، وجيوشه، على حدود روسيا، مشكلاً تهديداً فادحاً للأمن القومي الروسي. ولنا أن نتخيل ماذا كان الغرب سيفعل لو أن روسيا، أو أي دولة مناوئة أخرى، أقامت قواعد عسكرية قريبة من حدوده؟! عندئذ سيقيم الغرب الدنيا، ولا يقعدها. وكأن لسان حاله يقول: من حقي أن أتوسع، وأهدد، وليس من حق خصومي أن يعملوا الشيء نفسه؟!
لقد دفع الغرب روسيا دفعاً لغزو أوكرانيا، ونكث بوعوده، وتعهداته، بعدم توسع حلفه (ناتو) شرقاً. استغل انشغال روسيا في مشاكلها الداخلية، فتوسع إلى حدودها الغربية. وضم دولاً متاخمة لروسيا، واضعاً بعض قواته وصواريخه قريباً من البر الروسي. وعندما قويت روسيا، تنبهت لهذا الاقتراب سيئ المقصد، وبدأت تدعو لوقفه. ولكن الغرب استمر في التوسع شرقاً، غير مبالٍ بالمخاوف الأمنية الروسية المشروعة، وغيرها. فقرر ضم أوكرانيا للناتو، وهي الدولة الأقرب لروسيا. عمل ذلك، رغم وجود نسبة كبيرة من الأوكرانيين تميل لروسيا، ورغم تحذير روسيا بعدم ضم أوكرانيا للناتو؛ لأن ذلك يهدد أمنها القومي، لدرجة خطيرة جدّاً. وليس هناك من دليل يؤكد ما ذكر أقوى من رفض كثير من دول العالم «إدانة» الحرب الروسية على أوكرانيا، في محافل ومؤتمرات دولية عدة، رغم إصرار أمريكا والغرب على هذه الإدانة.