اخبار الإمارات

أميركا تُعيد النظر في نظام «الإغاثة خلال الكوارث الطبيعية»

قبل خمس سنوات، مرّ سكان مقاطعة «كالكاسيو» بعام قاسٍ. وفي غضون 10 أشهر بائسة، نالت هذه المنطقة الواقعة في جنوب غرب لويزيانا اهتماماً لا تُحسد عليه، ألا وهو إعلان حالة الكوارث أربع مرات.

وفي أغسطس 2020، ضرب إعصار «لورا»، وهو عاصفة عاتية، لدرجة أنها نزعت أسقف المنازل كما لو كانت لوحات ورقية.

وتأرجحت المباني كالسفن، وتعطلت أجهزة قياس سرعة الرياح. ثم جاء إعصار «دلتا»، ثم «أوري»، وهو عاصفة شتوية، ثم موجة فيضانات عارمة. وبعد تولي الرئيس السابق جو بايدن السلطة، وصل رجال الحكومة حاملين دفاتر شيكات. وأُعيد بناء منطقة بُنيت على أرض النفط والغاز والبتروكيماويات.

وتُعد مقاطعة «كالكاسيو» مثالاً جيداً للنظر في نظام الاستجابة للكوارث في أميركا، وما قد يؤول إليه في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ويعتقد ترامب أن الحكومة الفيدرالية تدفع مبالغ طائلة، وأن على الولايات أن تتحمل جزءاً أكبر من الكلفة. وفي البداية، تحدث عن إلغاء الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، التي تشرف على الإغاثة.

وبعد أن أودى فيضان تكساس، في أوائل يوليو، بحياة أكثر من 135 شخصاً، خفف من حدة موقفه. والآن، تتحدث إدارته عن جعل الوكالة أكثر «كفاءة».

ومع ذلك، فإن مسار العمل واضح، فقد غادر بالفعل خُمس الموظفين الدائمين في الوكالة، وأُلغي برنامج منح للتخفيف من المخاطر، ويرفض ترامب بعض طلبات المساعدة المقدمة من حكام الولايات، ويستغرق وقتاً أطول للموافقة على طلبات أخرى. وتصر وزيرة الأمن الداخلي، التي تترأس الوكالة الفيدرالية، على الموافقة الشخصية على النفقات التي تزيد على 100 ألف دولار.

وسيُحدث نهج ترامب تغييرات ضارة ومفيدة في آن واحد. وإذا نفذه، فستعاني أماكن فقيرة ومعرضة للمخاطر، مثل لويزيانا.

مليار دولار

وتحصل الولاية على ما يقرب من مليار دولار في المتوسط من الوكالة لكل كارثة، ولا يُمكنها على الإطلاق سد هذه الفجوة.

ويقول أستاذ الجغرافيا في جامعة ولاية لويزيانا، كريج كولتن، إن «الولاية بارعة في حثّ الآخرين على تحمل المسؤولية عند مواجهة المتاعب».

وهنا تكمن إمكانية إصلاح نظام مليء بالحوافز غير المتناسقة. ومن مفارقات سياسات الكوارث أن المساعدات تأتي من الحكومة الفيدرالية، بينما تُتخذ القرارات المتعلقة باستخدام الأراضي، مكان وكيفية البناء، محلياً.

وهذا يعد مشكلة، إذ تسعى السلطات المحلية إلى تطوير المشاريع السكنية والتجارية في المناطق المعرضة للكوارث، ثم تتوقع الحصول على خطة إنقاذ.

وتقول الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، سوزان كروفورد، إن «نهج ترامب يجب أن يُجبر الولايات على التفكير بشكل استباقي في الحد من المخاطر وسط ويلات تغير المناخ. وفي الوقت المناسب، من المفترض أن يُقلل ذلك من الخسائر».

قروض مدعومة

على مدار نصف القرن الماضي، تولّت الحكومة الفيدرالية دوراً أكبر في الإغاثة. وفي البداية، اقتصرت على السيطرة على الفيضانات، وإصلاح البنية التحتية العامة.

وفي ستينات القرن الماضي، بدأت في تقديم قروض تجارية مدعومة، ودعم المحاصيل، والتأمين ضد الفيضانات للأُسر.

وبعد فيضان «المسيسيبي» الكبير عام 1993، حذّر أعضاء الكونغرس من «كارثة»، وحذروا من أن «الكوارث تُهدر الفرص»، ثم وافقوا على حزمة مساعدات أكبر مما طلبه الرئيس.

وفي خمسينات القرن الماضي، كانت حصة الحكومة الفيدرالية من إجمالي خسائر الكوارث أقل من العُشر. أما اليوم، فهي لا تقل عن النصف، وأحياناً أكثر من ذلك بكثير. وتُقدّم أكثر من 30 وكالة مساعدات.

وتُقدّم الحكومة الفيدرالية المساعدات في حالات الكوارث. وللرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ، وهذا يُفعّل الإنفاق. وعلى مدار العقد الماضي تقريباً، أعلن عن 63 كارثة سنوياً في المتوسط، بزيادة على 25 كارثة في ثمانينات القرن الماضي.

وفي غضون ذلك، تزداد بعض المخاطر حدة بسبب تغير المناخ، وتزداد كلفتها بسبب النمو السكاني في مناطق الكوارث. وقد شكّل عام 2005، الذي شهد أعاصير (كاترينا وريتا وويلما)، نقطة تحول. فقد قفز متوسط الاعتمادات السنوية للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ من 5.8 مليارات دولار بين عامي 1990 و2004، إلى 25 مليار دولار بين عامي 2005 و2021. وبلغ المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية 42 مليار دولار، مدفوعاً بالجائحة.

وتقدم الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ نوعين من المساعدات، بعد إعلان حالة الطوارئ. وأحد البرنامجين مخصص للأفراد، أما المبلغ المتاح للمناطق، والمعروف باسم «المساعدة العامة»، فهو أكبر بكثير، حيث تُعوض عن إزالة الأنقاض وإصلاح المباني العامة.

وتعمل هذه المنح كتقاسم للتكاليف، حيث تغطي الحكومة الفيدرالية 75% كحد أدنى، بينما تدفع المناطق الباقي، وفي بعض الأحيان، تدفع الحكومة مبالغ أكبر.

خفض الإنفاق

وغطى بايدن 90% من نفقات ولاية لويزيانا بعد إعصار «لورا». وفي أبريل، اقترحت مذكرة من الوكالة الفيدرالية سُبلاً لترامب لخفض الإنفاق الفيدرالي، من خلال الإعلان عن عدد أقل من الكوارث، وسداد التعويضات بالحد الأدنى. وسيختلف تأثير هذا على الضحايا وفقاً لمكان إقامتهم. وتتدخل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ عندما تتجاوز الأضرار حداً معيناً.

وبالتالي، فإن الولايات المكتظة بالسكان لديها بالفعل خبرة في التعامل مع الكوارث الكبيرة بمفردها، فتكساس، على سبيل المثال، تحصل عادة على مساعدة من الوكالة الفيدرالية تزيد على 60 مليون دولار.

ويقول برايان كون، الذي قاد مكتب إدارة الطوارئ في فلوريدا، ويدير الآن شركة «أي إي إم» الاستشارية: «سيكون انتقال هذه الولايات (المكتظة بالسكان) من إدارة الكوارث الكبيرة إلى الكوارث الأكبر، أسهل من انتقال ولاية نيفادا أو رود آيلاند، على سبيل المثال»، مضيفاً: «سيتعين على الولايات الصغيرة القيام بالكثير من الأمور التي لا تقوم بها على الإطلاق حالياً».

وتأخذ المساعدات الفيدرالية في الحسبان، الفوارق بين المناطق الغنية والفقيرة. وستجعل تخفيضات ترامب، إذا طُبّقت، تعافي المحتاجين أكثر صعوبة، لكن بتخفيف التكاليف، تُشجع المساعدات أيضاً على المخاطرة.

ولا يحصل الأفراد إلا على بضعة آلاف من الدولارات في المتوسط من الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ. ومن المؤكد أن السلطات المحلية تتحسب تلقي دعماً من الحكومة الفيدرالية، ولا تهتم كثيراً بالتأمين ضد الكوارث.

وفي عام 2020، وجدت دراسة أجرتها مؤسسة «راند»، وهي مؤسسة بحثية، أن 28% فقط من تكاليف إصلاح المباني التي يتكبدها متلقو المساعدة العامة كانت مغطاة بالتأمين.

ومن وجهة نظر المسؤولين المحليين، فإن أموال الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ أفضل بالفعل من التأمين، فهي أشبه ببوليصة تأمين بلا حدود مع خصم 25%، كما يقول دانيال كانيوسكي، نائب مدير الوكالة السابق، الذي يعمل الآن في شركة «مارش ماكلينان» الاستشارية. عن «الإيكونومست»


تقليل المخاطر

يمكن للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ بذل المزيد من الجهود لتشجيع السلطات المحلية على شراء التأمين من خلال رفض منح المتقدمين غير المؤمَّن عليهم، أو رفع معدل تعويضاتها للمؤمَّن عليهم.

وفي سياق متصل، يمكن للوكالة أن تُلزم الولايات بدفع «خصم الكوارث» قبل حصولها على الأموال الفيدرالية، حتى تتحمل مسؤولية المخاطر. وطُرحت هذه الفكرة خلال إدارة أوباما. ومن نتائج نهج ترامب إجبار الولايات على تقليل المخاطر، ولا يبدو أن لويزيانا تفعل ذلك.

. على مدار العقد الماضي تقريباً، أعلن عن 63 كارثة سنوياً في المتوسط، بزيادة على 25 في ثمانينات القرن الماضي.

. تُعد مقاطعة «كالكاسيو» مثالاً جيداً للنظر في نظام الاستجابة للكوارث في أميركا، وما قد يؤول إليه في عهد ترامب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى