«بارود» الإنترنت.. أداة تسببت في أذية البشرية وندم مخترعها
ت + ت الحجم الطبيعي
«أنا آسف على اختراعي.. أعتذر على ما فعلته للبشرية»، قد يظن البعض أن قائل هذه العبارة، النادم على ما فعل، قد اخترع قنبلة نووية أو عنقودية، أو مركب كميائي أضر بالكوكب، أو ربما يظن البعض أن التصريح هو على لسان ألفرد نوبل مخترع الديناميت، الذي لم يكن يظن أن اختراعه سيجعل البشرية تقتل بعضها البعض، ولكن هذا الاعتذار صدر عن آذا راسكين، المبرمج المخترع لأداة التصفح اللانهائي «infinite scroll» في مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تلك الأداة التي تعتبر «بارود الإنترنت».
اختراع قد يبدو بسيطا بل وربما لا يعرف البعض تأثيره على البشرية، ولكن «آذا» يدرك جيداً ما تسبب فيه هذا الاختراع، وهو أن تظل تتصفح فيسبوك أو تويتر إلى ما لا نهاية دون أن تكون مضطراً للضغط على زر استمر أو إجراء أي فعل للانتقال للصفحة التالية، فيظل التصفح مستمراً باستمرارنا على الجهاز مثلما يحدث في تيك توك وفيسبوك وإنستغرام وتويتر، فيقضي المرء يومه كاملاً يتصفح بلا نهاية، ويدخل في هوة زمنية بلا قاع على مواقع التواصل الاجتماعي..
ويقول آذا راسكين: «صممت برمجة التصفح اللانهائي لأجعل تجربة الإنترنت سهلة وبلا عوائق، ولكنني لم أدرك العواقب، أنا نادم على ذلك، هدفي كان التسهيل على المتصفحين، ولم أفكر إلى أي حد يمكن استخدام أداتي لصناعة إدمان».
نوايا بريئة
وأضاف راسكين مصمم متصفح موزيلا: «فكرت أن تقليلي للعوائق أمام المتصفح، مثل أن يتم إلغاء طابور الانتظار في أي مكان، وبالتالي ستقل المدة الزمنية المهدرة، وبناء عليه، سينتهي المتصفح مما يريد في أسرع وقت، وبالتالي ستزيد المدد الزمنية المتاحة للمرء للتواصل الاجتماعي الحقيقي وجهاً لوجه مع الآخرين.. ما حدث بناءً على أداتي كان غير ذلك تماماً.. حقيقي أعتذر.. لم يكن هذا هو غرضي».
ووفقاً للدراسات، فمنذ انطلاق أداة آذا راسكين (40 عاماً) في نهايات العقد قبل الماضي، ارتفعت معدلات إدمان الإنترنت، والضغط العصبي المتولد من الاستمرار طويلاً على الأجهزة، سواء المحمولة أو أجهزة الحواسب الشخصية، لدى المراهقين والشباب في الولايات المتحدة بنسبة 60%، أعلى بأضعاف من معدل إدمان الألعاب الذي كان في حقبة التسعينات وبداية الألفية، ومازال مستمراً خطره حتى الآن، ولكن تخطاه إدمان التصفح، الذي قام بتصميمه راسكين المصمم السابق في جوجل.
فقدان السيطرة
ويقول راسكين: «مازلنا أنا وأصدقائي المصممين في سيليكون فالي، نخبر أنفسنا أن نوايانا كانت بريئة، وأننا لم نكن نريد أن نؤدي بالمراهقين والشباب للإدمان، كنا نريد عالماً أفضل وأكثر سلاسة، ولكن لم نعد نقدر على أن نخبر أنفسنا ذلك.. لقد فقدنا السيطرة».
إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبح مرضاً عصرياً، جعل العديد من أستاذة وأطباء علم النفس يحذرون من خطورته، بل أن البعض منهم طالب بتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ووضع حدود له مثل التحذيرات ضد التدخين والكحول وغيرها من التحذيرات الهادفة لحماية صحة الإنسان، حيث يؤدي إدمان مواقع التواصل الاجتماعي إلى اضطرابات في النوم تؤدي لاعتلال الصحة النفسية، ما يرفع من معدلات الانطوائية والميول لأذية النفس، خاصة أن الفئة الأعظم من مدمني مواقع التواصل الاجتماعي هم من المراهقين.
هوة زمنية
ولن تتوقف أضرار التصفح اللانهائي عند هذا الحد، حيث استغلته بعض الشركات العملاقة في مجال تكنولوجيا الإنترنت بخلطه مع الخوارزميات لضمان استمرارية التصفح بلا نهاية، مثلما تفعل تيك توك وإنستغرام وريل الفيسبوك، بل وربما فيديوهات يوتيوب القصيرة، حيث يدخل المتصفح للفيديوهات في هوة زمنية من التصفح المستمر ربما لا يدرك أنها ابتلعت يومه بالكامل، وسيكون الأمر مضاعفاً مع دخول الذكاء الاصطناعي، ومعرفة ذلك الذكاء الاصطناعي بميول ومعلومات شخصية على المتصفح، مما قد يزيد من معدلات الإدمان بشكل كبير.
وتستغل الشركات زمن الاستمرار على الإنترنت لعرض الإعلانات والدعاية، بل وربما البعض يستغل الأمر في توجيه الرأي العام وصناعة انطباعات وقناعات من خلال قيادة فكر المتصفح صغير السن، وهذا ما يجعل أداة التصفح اللانهائي كانت بذرة لزرع شيطاني، وهذا ما قاله راسكين، عندما أعلن ندمه قائلاً: «نادم، هدفي كان التسهيل، وليس صناعة الإدمان».