ترامب وهيغسيث يريدان تحويل الجيش الأميركي إلى أداة للولاء الشخصي

باعتبارنا كنا في القضاء العسكري الأميركي، فقد عملنا على ثلاثة أسس متقاطعة مع بعضها هي: القدرة على القتل، والالتزام بالقانون، والطاعة، وهي ثلاثة أسس تعمل على تعزيز أي قوة عسكرية فعالة.
وخلال الأشهر الستة الماضية، بدأت حملة لتفكيك هذه الأسس، وكان الهدف الواضح لها هو جعل قوى الدفاع الوطني تابعة لأجندات شخصية وسياسية واجتماعية للقائد العام للقوات المسلحة الذي يضع الولاء الشخصي فوق الالتزام العسكري بدولتنا وقانون بلادنا، وإذا استمر هذا النهج فسيصبح الجيش أقل فاعلية في الدفاع عن البلاد من التهديدات الخارجية، وربما يصبح أداة للإكراه الداخلي.
وأطلق وزير الدفاع بيت هيغسيث هذه الحملة عندما فصل القضاة العامين من الجيش، وكان مبرره لذلك هو أن ذلك ضروري لتعزيز «روح المحارب» وثقته بنفسه، وهو غطاء «واهٍ» لاعتقاده أن القضاة العسكريين يعدون عقبات في تحقيق النصر في ميدان المعركة. وفي واقع الأمر يعلمنا التاريخ أنه دون التمسك بحكم القانون سيفقد الجيش شرعيته، ويخسر الدعم الشعبي له، ويعاني من الهزيمة.
وكان هيغسيث قد أقال رئيس هيئة الأركان المشتركة، ورئيس العمليات البحرية، ونائب رئيس أركان القوات الجوية، لأنه اعتبرهم نتاجاً، أو مروجين لسياسات التنوع، والمساواة والشمولية، وكانت رسالته مفادها أن العسكريين السود أو النساء لم يعودوا مناسبين لتقلد المناصب العليا، ما يثير المخاوف من أن تعيين كبار الضباط في المستقبل سيعتمد على الولاء الشخصي، أو الأيديولوجيات السياسية أو النوع السكاني «المقبول» وليس على الخبرة أو المؤهلات القانونية، وفي الحقيقة فان الجيوش المليئة بالشخصيات «المتملقة» لا يمكن أن تحقق أي نصر في الحروب.
وبعد هذه الضربة القوية أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيلاً من الأوامر التي تهدف وبوضوح إلى إبعاد الجيش عن الدستور نحو الولاء الشخصي.
وفي أبريل الماضي تحايل ترامب على قانون «بوسي كوميتاتوس» الذي يحظر استخدام القوات العسكرية الفيدرالية لفرض القوانين المحلية عن طريق إنشاء أولى مناطق الدفاع الوطني على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، ويسمح ذلك بمعاملة المناطق غير العسكرية وكأنها منشآت عسكرية حتى يتمكن الجيش من فرض القانون المحلي.
وتجاوز ترامب في شهر يونيو الماضي قانون «بوسي كوميتاتوس» عن طريق نشر نحو 4000 من قوات الحرس الوطني و700 مقاتل من «المارينز» في لوس أنجلوس «لحماية الممتلكات، والشرطة الفيدرالية» خلال ما وصفه بأنه احتجاجات عنيفة. وقال قاضٍ فيدرالي هذا الأسبوع، إن «نشر تلك القوات كان غير قانوني».
وخلال الشهر ذاته زار الرئيس ترامب منشأة «فورت براغ» العسكرية في ولاية كارولينا الشمالية للاحتفال بمرور 250 عاماً على تأسيس الجيش، وقام بتحويل المناسبة إلى حشد سياسي عن طريق تحريض الجنود الذين يرتدون بدلات رسمية على دعم تعليقاته الحزبية.
وخلال الشهر الماضي قام ترامب بتنشيط الجيش الوطني في العاصمة واشنطن لمحاربة «تزايد الجريمة» ظاهرياً.
وبالنظر إلى أن معدل الجريمة في واشنطن العاصمة كان الأدنى في عام 2024 منذ 30 عاماً، كما كانت معدلات الجريمة أقل أيضاً في 2025، اعتقد كثيرون أن «مكافحة الجريمة» كانت ذريعة لتجريب القيام بالاحتلال العسكري الذي يخطط له في «المدن الزرقاء» الأخرى، (وهي المدن التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي).
وحتى الآن، لم تظهر أي معارضة فعالة تمنع الرئيس من استخدام الجيش في الشؤون المحلية، ولم يكن الكونغرس والقضاء عاجزين فحسب، بل تواطآ في بعض الحالات. وعلى سبيل المثال في قضية ترامب ضد الولايات المتحدة، منحت المحكمة العليا الرؤساء حصانة من الجرائم المرتكبة أثناء أدائهم مهام القائد العام.
ومن الواضح أن مزيداً من الفوضى يمكن أن تندلع، ولا يمكن إعادة تفعيل الضوابط والتوازنات التي وضعها المؤسسون الأوائل لدولتنا التي تضمن مسارنا الحالي إلا بتضافر الجهود من الجميع.
ولايزال بإمكان الكونغرس التحرك لاستعادة مكانة القانون العسكري وإنفاذه واستقلاليته، ويمكنه أيضاً منع وزارة الدفاع (البنتاغون) من إنفاق الأموال على المهام الداخلية. ويجب على حكام الولايات أيضاً أن يؤكدوا أن وحدات الحرس الوطني لا يمكن استخدامها خارج ولاياتهم لفرض القانون المحلي، أو لأغراض سياسية أو شخصية. ويعد رفض الحاكم الجمهوري فيل سكوت تعبئة الحرس الوطني في ولاية «فيرمونت» لدعم أنشطة فرض القانون الفيدرالي مثالاً شجاعاً على ذلك.
ويجب على كبار قادة الجيش التواصل مع جنودهم وأن يشرحوا لهم أن التقيد بالقانون يعد عنصراً ضرورياً في فاعلية الجيش عن طريق الإصرار على أن جميع الأوامر يجب أن تكون قانونية، وأن «عمليات القتل» يجب ألا تكون المعيار الوحيد في الحرب، وبالتأكيد ليس المعيار الصحيح لكيفية تعامل القوات مع مواطنيها.
وفي نهاية المطاف يجب أن يطالب الجمهور بأن تكون القوات المسلحة أكثر قانونية وقوية بحيث تنزل الهزائم بالأعداء، ويجب أن يفهم الأميركيون، وأن يعبروا عن دعمهم لمبدأ أن الطاعة العسكرية واجبة للدستور، وليس لأي فرد.
* تأليف مجموعة من القضاة العسكريين السابقين في الجيش الأميركي
عن «ذي هيل»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news