اخبار الإمارات

حسابات وهمية تروّج أدوية غير مثبتة علمياً لـ «التوحد»

أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في الترويج لعلاجات غير مثبتة علمياً، استهدف أحدثها طيف التوحد، حيث انتشرت أخيراً صفحات يروج القائمون عليها لمنتجات طبية وعشبية غير معروفة، ووصفات علاجية شعبية، مدعين أن لها القدرة على علاج طيف التوحد نهائياً.

وحذّر أطباء من الانسياق وراء هذه الادعاءات غير العلمية، لافتين إلى أنها تُشكل خطراً على صحة الطفل، وتُعرّضه لمضاعفات كبيرة.

وأكدوا أن الطريق الأكثر أماناً وتأثيراً هو التدخل المبكر المبني على أسس علمية، ودعم الأسرة، وتقبّل التوحد كجزء من تنوع الإنسان العصبي، لا كمرض يستوجب العلاج.

كما أكدوا أن جزءاً كبيراً من المشكلة يتمثل في أن «الأخبار الصحية المضللة تنتشر بسهولة وسرعة كبيرة، لأنها غالباً ما تعطي آمالاً كاذبة، وسرعان ما تتم مشاركة مثل هذه المعلومات ملايين المرات، ويصبح ما يُعتقد أنه العلاج المعجزة موضوع الأحاديث والمناقشات، إذ تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في سرعة انتشار المعلومات الخاطئة»، محذرين من أن العلاجات غير المثبتة للتوحد لا تفتقر فقط إلى الفعالية، بل قد تكون خطرة.

ادعاءات مضللة

وتفصيلاً، حذّرت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم من الانسياق وراء الإعلانات أو الجهات التي تروج لعلاجات أو برامج غير معتمدة لأصحاب الهمم، خصوصاً من ذوي اضطراب طيف التوحد، مشددة على أن أي تدخلات علاجية أو تأهيلية يجب أن تصدر فقط عن جهات موثوقة ومعتمدة رسمياً من الجهات الصحية والتنظيمية والمختصة في الدولة، حرصاً على سلامة الأبناء، وتفادي التعرّض لأي مخاطر صحية أو نفسية ناتجة عن معلومات مضللة أو غير علمية.

وحذّر أخصائي طب الأطفال، الدكتور هاني الهنداوي، من اللجوء إلى هذه النوعية من الوصفات، أو المنتجات الطبية، التي تباع عبر الإنترنت، مؤكداً أنها تنطوي على ادعاءات مضللة، مثل الزعم بأن لها القدرة على علاج التوحد بشكل تام، خصوصاً أن التوصيات العلمية المعتمدة لا تنصح بعلاج محدد لمرضى التوحد، لعدم ثبوت جدواها، حيث يحتاج علاج حالات التوحد إلى برامج سلوكية وتأهيل حسب كل حالة، وبالتالي لا ينبغي إضاعة وقت ثمين في مثل هذه العلاجات.

وقال إن «لجوء ذوي مرضى التوحد لوصفات وخلطات علاجية عبر الإنترنت، مشكلة كبيرة قد تهدد حياة أطفالهم، وتعرضهم لمخاطر صحية»، مؤكداً أنه استقبل مرضى عانوا أعراضاً صحية بسبب تناولهم منتجات طبية، حصلوا عليها من مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت النتائج عكسية، مشدداً على أن «لجوء ذوي المصاب بطيف التوحد إلى وصفات الإنترنت خط أحمر، حيث ترتفع نسبة تعرض الطفل لمضاعفات، وقد تصيبه انتكاسات صحية أشد خطورة»، محملاً مروجي هذه الوصفات المسؤولية عن النتائج التي تصيب مستخدميها، كونهم روجوا لها بادعاءات علاجية مضللة، أضرت بمستخدميها، وعرّضت حياتهم للخطر.

الدعم والخدمات

وقال استشاري الأمراض النفسية للأطفال والمراهقين، الدكتور عماد فرج: «عندما يُشخّص الطفل بالتوحد في دولة الإمارات، يجد الأهل أنفسهم أمام تحديات كبيرة: قوائم انتظار طويلة، تباين في جودة الخدمات، كلفة مرتفعة للعلاج في القطاع الخاص. وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي أحرزته الدولة في مجال التوعية بالتوحد وتوفير التدخل المبكر، فلاتزال هناك فجوات قائمة، تتمثل في صعوبة الوصول إلى الخدمات، وعدم توافر الدعم المجتمعي الكافي».

وأضاف: «في ظل هذا الواقع، يلجأ العديد من الأهل إلى وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن النصيحة أو المساعدة، وكثيراً ما يواجهون روايات حول وجود علاجات توصف بأنها سحرية، مثل الحميات الغذائية الصارمة، والأعشاب، أو أدوية غير مرخصة. وقد يدرك بعضهم المخاطر المترتبة على هذه الخيارات، إلا أن رغبتهم العميقة في مساعدة أطفالهم تدفعهم أحياناً للتجربة».

وأشار إلى أن «هذه القرارات لا تنبع من الإهمال، بل من الحب والخوف والأمل، فكثير من العائلات، خصوصاً التي انتظرت سنوات للحصول على تشخيص، أو عانت كلفة العلاج المستمر، ترى في هذه المزاعم بارقة أمل. وفي بعض الحالات، يضاف إلى ذلك ضغط مجتمعي ناتج عن الوصمة المرتبطة بالإعاقة، ما يدفع بعض الأهل للبحث عن حل سريع لتغيير واقع طفلهم».

وتابع أن «الإمارات حققت خطوات متقدمة في سن السياسات الداعمة لأصحاب الهمم، وتوفير مراكز متخصصة بالتوحد، وزيادة الوعي المجتمعي. ومع ذلك، هناك حاجة ماسة لتعزيز التثقيف الصحي الموثوق، وتنظيم المحتوى الصحي على الإنترنت، وتوفير خدمات تدخل مبكر ميسورة الكلفة، لأن وصول الدعم العلمي والمتعاطف للأهل في وقت مبكر، يقلل احتمالية لجوئهم إلى العلاجات الضارة».

وحذر من أن بعض ما يُروَّج له على الإنترنت من «علاجات بديلة» يحتوي على مواد خطرة، كيميائية صناعية، أو علاجات مثل الـMMS (مركبات تشبه المبيض)، أو أدوية إزالة المعادن دون إشراف طبي، وهذه المواد قد تُسبب تلفاً في الكبد والكلى، ونوبات صرع، ومشكلات معوية حادة، أو حتى الوفاة في بعض الحالات.

وتابع: «إضافة إلى ذلك، يتبع بعض الأسر حميات غذائية مفرطة (مثل حمية خالية تماماً من الجلوتين والكازين) دون إشراف أخصائي تغذية، ما يعرّض الطفل لخطر سوء التغذية، خصوصاً إذا كان يعاني اضطرابات في الأكل، كما هو شائع لدى كثير من الأطفال المصابين بالتوحد».

وأكد فرج أن «التعرّض المتكرر لعلاجات مزعجة أو مؤلمة دون فهمها قد يُسبب للطفل القلق، وفقدان الثقة، ويعرضه لصدمات نفسية طويلة الأمد، خصوصاً إذا كان غير قادر على التعبير عن الألم أو الرفض. كما أن بعض هذه العلاجات يُمارس على الطفل دون موافقته أو إدراكه، ما يضعف شعوره بالاستقلالية والكرامة، ويعزز شعوراً ضمنياً بأن عليه أن يتغير ليكون مقبولاً، ما قد يؤثر سلباً في نظرته لنفسه، ويولد شعوراً لديه بالخجل أو الرفض الداخلي».

وشدد على أن «استخدام علاجات غير مثبتة يُضيّع وقتاً ثميناً من الممكن استغلاله في التدخلات المُثبتة علمياً، مثل العلاج السلوكي (ABA)، والعلاج الوظيفي، أو النطق والتخاطب. فهذه التأخيرات تُعيق تطور الطفل في مجالات التواصل والسلوك والاستقلالية، كما أن التركيز على الشفاء بدلاً من الدعم، يعزز وصمة اجتماعية، ويؤخر قبول الأسرة للطفل كما هو، ما يؤثر سلباً في البيئة العاطفية التي يحتاج إليها لينمو بثقة»، مشيراً إلى أن «العلاجات الوهمية تُشكّل عبئاً نفسياً واقتصادياً على الأسرة. وعندما لا تؤتي ثمارها، يشعر الأهل بالإحباط والذنب وفقدان الأمل، ما يؤثر في استقرارهم النفسي وعلاقتهم بالطفل».

علاجات وهمية

وقالت مديرة مركز الإمارات للتوحد، أمل جلال صبري، إن «الأهل مستعدون لتجربة أي شيء قد يعطيهم بصيصاً من الأمل، خصوصاً حين يشعرون بأن التحسن بطيء أو غير ملموس، فتُستغل مشاعرهم جهات غير مسؤولة تقدم وعوداً زائفة»، مشيرة إلى أن «هذه العلاجات الوهمية لها أضرار شتى، منها خطر صحي مباشر، حيث تكون بعض المواد غير مرخصة أو غير مناسبة للأطفال ذوي التوحد، وقد تسبب آثاراً جانبية خطرة عليهم».

وأضافت أن «الانشغال بالعلاجات الوهمية يتسبب في إضاعة وقت ثمين، كان يمكن استثماره في برامج تدخل معتمدة قائمة على الأدلة، بجانب الضرر النفسي للأسرة بعد اكتشاف حقيقة عدم جدواها، حيث تُصاب الأسرة بالإحباط وفقدان الثقة في العلاج الصحيح، وخسائر مالية بعد دفع آلاف الدراهم مقابل منتجات أو علاجات وهمية لا تمت للعلم بصلة».

وأشارت إلى أن «مركز الإمارات للتوحد استقبل حالات عدة لأسر أنهكتها تجارب فاشلة لعلاجات غير طبية، كان بعضها مكلفاً جداً، وبعضها أدى إلى تدهور سلوك الطفل، وقد تم التعامل مع الطفل المصاب والأسرة عبر تقديم التوعية والتوجيه العلمي، وتحويل الطفل للتقييم الدقيق، ومساندة الأسرة نفسياً ومعنوياً لاستعادة الثقة بالبرامج العلمية المعتمدة، إضافة إلى نشر التوعية للتحذير من الترويج المضلل».

ودعت الأسر التي لديها طفل من ذوي طيف التوحد، إلى عدم الانسياق وراء أي جهة تدّعي وجود علاج نهائي لاضطراب طيف التوحد، مشددة على أن «طيف التوحد ليس مرضاً يُعالج، بل حالة يمكن أن تتحسن وتتقدم بتدخلات تربوية وسلوكية قائمة على الأدلة، أثبتت فعاليتها، ما يتطلب الحفاظ على أطفالنا والوثوق بالعلم، وألا نجعل من الأمل باباً لدخول المحتالين».

التدخل المبكر

وأفادت أخصائية الدمج، زينب خلفان، بأنه «لا يوجد علاج أو برنامج شافٍ لمرض التوحد، ولكن هناك تدخلات تساعد في تخفيف الأعراض والسلوك غير المرغوب فيهما، وتساعد على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، وتشمل التدخلات الدوائية والنفسية والاجتماعية».

وقالت: «على الرغم من أن الدراسات لم تستطع التوصل إلى علاج محدد، فقد أثبتت فاعلية التدخل المبكر والمكثف، حيث يمكن أن يُحدِث تغيراً كبيراً في حياة الطفل، ومن ذلك استخدام آلية الدمج».


مراكز خارجية

كشف أخصائيو دمج عن سفر أسر إلى مراكز وعيادات موجودة خارج الدولة، تستغل حاجة الأسر إلى علاج الطفل، من خلال الترويج لعلاجات، اعتماداً على دراسة أو دراستين فقط، من دون وجود نتائج معتمدة أو معممة أو مسموح بها.

وأكدوا أن طيف التوحد عرض نمائي وليس مرضاً، مشيرين إلى أن معظم الضحايا في هذه الحالات هم من الأمهات، لرغبتهن الشديدة في رؤية أبنائهن يتحسنون، إذ يستدرجن من خلال إعلانات وسائل التواصل التي تروج لقدرة هذه العيادات على علاج المصابين بالتوحد نهائياً.


العبء الصامت

أكد استشاري الأمراض النفسية، الدكتور عماد فرج، أن تربية طفل مصاب بالتوحد في الإمارات، هي رحلة مليئة بالحب، لكنها أيضاً مليئة بالإرهاق النفسي والعاطفي.

وقال إن «وراء كل جلسة علاج، وكل محاولة دمج مدرسي، وكل يوم صعب، أماً أو أباً يبذل كل منهما قصارى جهده في ظل منظومة دعم لاتزال قيد التطور»، ولفت إلى دراسات تظهر أن أولياء أمور الأطفال المصابين بالتوحد معرضون أكثر للقلق والاكتئاب والإجهاد المزمن.

وقال: «على الرغم من توافر خدمات صحية نفسية عالية الجودة، إلا أن بعض الأسر، خصوصاً في المجتمعات التقليدية، لاتزال تتردد في طلب المساعدة بسبب وصمة المرض النفسي، لذا فإن دعم الأسر ليس فقط ضرورة طبية أو تعليمية، بل مسؤولية مجتمعية، وعندما يحصل الأهل على الدعم الذي يحتاجون إليه، يزدهر أطفالهم، وينعكس ذلك على قوة وتماسك المجتمع».

. تأخير العلاج قد يعوق تطور الطفل في مجالات التواصل والسلوك والاستقلالية.

. يجب تقبّل التوحد كجزء من تنوع الإنسان العصبي لا كمرض يستوجب العلاج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى