حمزة عليان.. يصنع شاهداً للأحداث ويحفظ الذاكرة المشتركة للكويت ولبنان
في كتاب صدر مؤخراً ضمن منشورات “ذات السلاسل” في الكويت بعنوان: بيروت في ذاكرة الكويت 1915 – 2024. وصفه الباحث والإعلامي حمزة عليان والمقيم في الكويت بأنه نسخة منقحة ومزيدة من الإصدار الثالث لكتابه عن “العلاقات الكويتية اللبنانية” الذي صدر عام 2016.
وهنا نقف على مسألتين أساسيتين في تناول عليان لتاريخ العلاقات بين الكويت ولبنان، أما الأولى فتتمثل في التزام عليان بتحري الدقة ليخرج بتدوين كامل وشامل وموضوعي لمحاور تلك العلاقة وهو ما دفعه لأن يصدر سلسلة متصلة وأن يصدر في الأخير نسخة مزيدة ومنقحة بعد أن تسنى له الوقوف على العديد من الروايات المستجدة والقيام بإجراء مزيد من اللقاءات مع شخصيات ذات علاقة ربما تكشفت له صلاتها ودورها بعد “ثالث السلسلة”، فكان هذا الكتاب الجامع الذي نتناوله هنا. والمسألة الثانية هي أنه لم يتعامل مع هذا الملف من باب الكاتب والمدون، بل أيضاً من مكانته كمراقب وكشاهد عيان ومشارك في بعض الأحداث وراصداً لها، بل وكصانع لبعض المشترك بين الدولتين باعتباره لبناني مقيم في الكويت منذ أكثر من نصف قرن، وهي مدة تشكلت فيها المواقف والأحداث الأكثر ارتباطاً وسخونة ودسماً في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل نمضي إلى أكثر من ذلك حينما نقول أنه حينما يتم تناول الشخصيات اللبنانية الأكثر حضوراً في دولة الكويت فلابد أن نأتي على دور الأستاذ حمزة عليان المتعدد والمؤثر والذي شمل عدد من المجالات منها: العمل الصحفي والتوثيقي، والعمل الإعلامي المرئي ولعلنا نشير هنا إلى مشاركته في مجموعة من البرامج التلفزيونية والإذاعية، كاتباً ومعداً ومتحدثاً ومحاوراً، كما نستشهد بمشاركته في فيلم تاريخي وثائقي للحدود الكويتية – العراقية عرضته قناة BBC العالمية، وفيلم وثائقي عن تاريخ الصحافة الكويتية عرضته قناة الجزيرة، وفي محور آخر يحتفظ “حمزة” بمكانة ريادية في تأسيس واحد من أهم مراكز المعلومات في المنطقة (مركز معلومات القبس بدأ 1976) وفي صناعة التحول التكنولوجي واستثمار أوعية المعلومات وبناء أنظمة الميكنة وقواعد البيانات.
أقسام الكتاب
في 440 صفحة يضم كتاب “بيروت في ذاكر الكويت 1915 – 2024 تسعة فصول، الفصلين الأول والثاني منهما يتناولان التمثيل الدبلوماسي، والثالث يتناول محطات في تاريخ الجالية اللبنانية في الكويت، بينما يتحدث الفصل الرابع عن بيت اللبنانيين ومجال الأعمال وجمعيات الصداقة، وتحت عنوان “الكويتيون في قلب لبنان يتعرض الفصل الخامس لمحاور رئيسية للعلاقة بين الدولتين، هي: السياحة والاقتصاد والتجارة والاستثمار، قبل أن يبحر الفصل في شهادات كويتية، بينما وفر سادس الفصول قراءة في تاريخ العلاقات المشتركة والأزمات من خلال ثلاثة عشر محور، بينما تناول الكاتب مجال التنمية والثقافة في فصلين منفصلين.
الأوائل والمبادرات الأولى
يستعرض الكتاب في فصوله الشخصيات الأولى، فيذكر قصص التبادل الدبلوماسي بين الجانبين، فعلى مساحة 24 صفحة سرد العليان قصة تعيين أول سفير كويتي في لبنان، وهو مهلهل المضف (قائم بأعمال)، ثم أول من عُين بدرجة سفير وهو محمد أحمد الغانم، ثم يأتي على سرد قصص الآخرين، وهم: خالد مجمد جعفر، ومحمد يوسف العدساني، وعبدالحميد البعيجان، وأحمد عبدالعزيز الجاسم (سفير فوق العادة غير مقيم) وأحمد غيث عبدالله، وعبدالرزاق الكندري، ومحمد سعد الصلال، وعلي سليمان السعيد، وعبدالعال القناعي، وأخيرا عبدالله سليمان الشاهين (السفير الحالي).. ويسرد عليان في هذا الفصل العديد من القصص والأحداث، ويبين الدور الشخصي للدبلوماسي الكويتي في لبنان والذي لم يتوقف عند المعنى “القاموسي” لمصطلح الدبلوماسية بل حمل أبعاداً وتجارب إنسانية عميقة.
أما الحضور الدبلوماسي اللبناني في الكويت فشمل منذ عام 1962 وحتى الوقت الحالي 17 دبلوماسياً بين قائم بأعمال وسفير، أحدهم، وهو سميح البابا، شغل صفة “عميد السلك الدبلوماسي” في الكويت، ذلك لأنه تولى المنصب لمدة 12 عاماً من 1966 وحتى 1978، ونجد أن المعلومات الواردة في هذين الفصلين مدعمة بالصور التي تغطي نحو 6 عقود.
وبين الأوائل والإحصاءات تناول الفصل الثالث من الكتاب بدايات الهجرة إلى الكويت، وإذا كان الأستاذ حمزة عليان في كتابه الثالث “قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية اللبنانية” عرض وجهات نظر متباينة وكتابات مختلفة عن الوجود اللبناني الأول في الكويت، فإننا نجده في هذا الكتاب يميل إلى الأخذ برواية الدكتور خليل أرزوني مؤلف كتاب (الهجرة اللبنانية إلى الكويت) والذي ذكر أن أول مهاجر لبناني هو منيب الشلبي الذي جاء عام 1915مع شقيقه “بدر” قادمين من أندونيسيا، مروراً باليمن ثم البصرة وصولاً إلى الكويت، وكانوا يسمونه “منيب السوري” يعمل في تصليح الساعات بينما عمل شقيقه في التصوير، وهما في الأصل من مدينة طرابلس شمالي لبنان، ويعرض في ذلك أيضاً ما ذكره أحمد السيد عمر في كتابه “مذكرات كويتية” حيث أكد ذلك، كما أرّخ الكتاب لمجيء عزت محمد جعفر اللبناني الأصل إلى الكويت في العام 1935، وارتبط بعلاقة صداقة مع سمو أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، وأصبح مستشاراً سياسياً لسموه اعتباراً من 1940، بعد حصوله على الجنسية الكويتية وهو من أوائل اللبنانيين الذين حصلوا على الجنسية الكويتية ومارسوا التجارة والسياسة.