مقاطع «ريلز» تسمم وعي الطفل بمحتوى مَرِح عن «التعصّب»

تُشكّل مقاطع الـ«ريلز» خطورة بالغة على الأطفال من جوانب عدة، بسبب طابعها المرح وما تتضمنه من لحظات مفارقات.
وتتمثّل أبرز المخاطر في تعرّض الأطفال لمحتوى غير مناسب، مثل مقاطع تُمجد التعصّب، فضلاً عن أثرها في صحتهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية إذا كانوا يتعرّضون لمحتوى سلبي يحملهم على مقارنة أنفسهم بالآخرين أو إذا كانوا يقضون وقتاً طويلاً في مشاهدتها بدلاً من التفاعل مع الأصدقاء والعائلة.
والـ«ريلز» مقاطع فيديو تراوح مدتها بين 15 و60 ثانية، وتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي، وتتيح للمستخدم التعبير عن إبداعه من خلال إضافة الموسيقى والتأثيرات والنصوص والملصقات، وغيرها من العناصر التفاعلية، لكنّ هناك آباء رصدوا أخيراً تأثيرات سلبية تحرِف الأطفال عن القيم التي يسعى الجميع إلى تربية أبنائهم عليها، وقالوا لـ«»، إن بعض المقاطع تُحفّز روح التعصّب والعدوانية لدى الأطفال، من خلال دفعهم إلى ترجيح إجابات محددة بعد وضعهم بين خيارين، يتنافى كلاهما مع فكرة تقبُّل الآخر.
بدورهم، أكد متخصصون أن وسائل التواصل الاجتماعي مملوءة بالمحتويات غير المناسبة للأطفال، ما يُنمّي لديهم سلوكيات، مثل التعصّب، مشددين على أهمية دور الأسرة والمؤسسات التعليمية في توجيه الطفل نحو الأفكار القويمة.
وتفصيلاً، قال محمد وجيه إنه لاحظ متابعة طفله مقاطع «ريلز» تطرح أسئلة متعددة، وتطلب من المتابع اختيار إحدى الإجابتين، فإما أن يحب وإما أن يكره، وقد تتضمن صوراً تحض على الكراهية، مطالباً المعنيين بمخاطبة صُنّاع تطبيقات التواصل الاجتماعي لتنقية محتواها.
وذكرت عبير السيد أن بعض المحتويات التي تظهر لأطفالها «غير ملائمة»، وقالت: «أشعر بقلق من المقاطع التي تبدو ترفيهية في ظاهرها، لكنها تبني أفكاراً إقصائية». وأضافت: «نحن نربي أبناءنا على التسامح، لكن هذه المحتويات تنسف ما نغرسه فيهم من دون أن ننتبه، وبالتالي لابد من إجراءات تقوم بها المنصات لحجب هذه المحتويات السلبية».
وذكر علاء إبراهيم أن ما يزعجه كأب هو رؤية محتوى موجه للأطفال، يُقدَّم بشكل ظريف، لكنه يزرع بذور الكراهية والأحكام المسبقة.
وشرح أن الفضول يدفع الأطفال إلى الانخراط في ألعاب ومشاركة مقاطع مضحكة، قائمة على التنمر، وتصوير الآخر بشكل سلبي.
من جانبه، قال رئيس لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام في المجلس الوطني الاتحادي، الدكتور عدنان حمد الحمادي، إن القانون الإماراتي لا يكتفي بالجانب العقابي لمروّجي المحتوى الضار، بل يعمل أيضاً على الوقاية والتوعية من خلال التشريعات والمناهج والرقابة المجتمعية.
وأضاف أن المؤسسات التعليمية هي حجر الأساس في تنمية وعي الطفل وتوجيهه نحو احترام الآخر، ما يحدّ من تأثير أي محتوى سلبي قد يصادفه، ويُشكّل درعاً فكرياً وأخلاقياً يحميه على المدى الطويل، ومن بينها حظر تعريض الطفل لأي مواد تُخلّ بالآداب العامة أو تؤثر سلباً في قِيَمه أو صحته النفسية.
وأكد ضرورة إدراج مواضيع عن التسامح والتنوع الثقافي في مناهج التربية الأخلاقية والاجتماعية، تتضمن قصصاً وسيناريوهات تُبرز قيمة احترام الآخر على اختلاف دينه أو جنسيته أو خلفيته الثقافية.
وبدورها، أكدت عضو جمعية الإمارات لحماية الطفل، الدكتورة نعيمة العبّار، أن بعض محتويات وسائل التواصل الاجتماعي مفيد، وبعضها مملوء بمشاهد العنف أو التنمر أو الكلام الجارح أو التعصّب أو الكراهية، وكل ذلك يُقدم بطريقة جذابة تساعد على تسرّب العدوانية إلى نفس الطفل.
وأضافت أن «الأسرة هي المدرسة الأولى للقيم والسلوك، وحين نخصص وقتاً للجلوس مع أبنائنا، نحاورهم ونسألهم، فنحن لا نراقبهم فحسب، بل نرشدهم ونوجههم ونفكر معهم»، لافتة إلى أنه من المهم أن نعلّم أطفالنا أن القوة ليست في الصراخ، بل في الحوار.
وذكرت رئيس اللجنة الاجتماعية بجمعية الإمارات لحماية الطفل، الدكتورة شهد عيسى الحمادي، أن على الآباء الاستماع إلى آراء الطفل ومشاعره والسماح له بالتعبير عن أفكاره.
وأكدت أنه يمكن مساعدة الطفل على تطوير مهارات اجتماعية وعاطفية قوية، تُسهل عليه تقبل الآخر والتفاعل بشكل إيجابي مع مختلف الآراء والثقافات.
وذكرت أن التحكم في المحتوى المُقدم للطفل، خصوصاً من خلال الـ«ريلز»، يمكن أن يكون تحدياً، نظراً إلى طبيعته العشوائية، مشيرة إلى استراتيجيات يمكن أن تساعد في إدارة هذا الأمر، مثل تحديد وقت الشاشة، وأن يحرص الأب على تفعيل استخدام إعدادات الخصوصية والأمان على التطبيقات التي يستخدمها الطفل.
وتابعت: «يمكننا أن نشجع الطفل على الأنشطة البديلة، مثل القراءة والألعاب الإبداعية والأنشطة الرياضية، فهذا يساعده على تقليل الوقت الذي يقضيه أمام الشاشة».
وقال المستشار القانوني في جمعية الإمارات لحماية الطفل، عبدالرحمن غانم، إنه بالاستناد إلى قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي، وقانون حماية الطفل الإماراتي، فإن الإطار القانوني الذي يحكم المحتوى المنشور على منصات التواصل الاجتماعي يجرّم نشر محتويات تحرض أو تشجع على العنف، خصوصاً إذا كانت موجهة للأطفال أو تتضمن إساءة لهم.
وقال إن المواد التي تحفّز العدوانية عند الأطفال تصنّف ضمن المحتوى الضار قانوناً، والعقوبات تصل إلى الغرامة والحبس.
ويُحدد ذلك وفق تأثير المحتوى على السلوك النفسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي للطفل، ووجود عناصر تحريضية أو تصوير ممارسات عنيفة أو ألفاظ مهينة.
وانتقل للحديث عن مسؤولية المنصات عن انتشار محتوى عدواني يظهر في صورة «ريلز» أمام الأطفال، موضحاً أن «هذه المنصات تتحمل مسؤولية قانونية مباشرة إذا تقاعست عن إزالة المحتوى بعد الإبلاغ عنه، ومسؤولية مشتركة في حال كانت خوارزميات التوصية تسهم في عرض هذا النوع من المحتوى للأطفال من دون أدوات رقابة».
وأفاد بأن «قانون الجرائم الإلكترونية يُلزم المنصات بإزالة المحتوى المخالف عند الطلب، وإلا تعرّضت للمساءلة القانونية».
كما أن المادة (44) من قانون الجرائم الإلكترونية تعطي الحق للنيابة العامة بحجب المواقع والمحتويات التي تشكل تهديداً للقيم أو النظام العام.
ونبه إلى أن القوانين تنص على تشديد العقوبات عند تكرار المخالفات أو في حال استهداف الأطفال بمحتوى ضار بشكل مباشر، وتشمل العقوبات: الغرامة المالية التي قد تصل إلى مليون درهم، والسجن في حالات الإساءة الجسيمة أو التحريض الصريح على العنف أو الكراهية.
حماية الطفل
يمكن حماية الأطفال من المخاطر المحتملة لمقاطع الـ«ريلز» وضمان استخدامهم الآمن للإنترنت، من خلال اتخاذ هذه الإجراءات:
• على الآباء مراقبة نشاط أطفالهم على الإنترنت وتحديد الحدود الزمنية لمشاهدة مقاطع الـ«ريلز».
• توعية الأطفال بالمخاطر المحتملة لمقاطع الـ«ريلز» وكيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن.
• يمكن استخدام أدوات الحماية، مثل برامج الرقابة الأبوية لتحديد المحتوى الذي يمكن للأطفال الوصول إليه.