«موغامي».. صفقة تعزز ثقة اليابان في تطوير شراكات دفاعية مع جيرانها

اعتبر مسؤولون دفاعيون كبار في اليابان، اختيار أستراليا شراء سفن حربية يابانية، «نموذجاً» لتصدير أنظمة عسكرية متكاملة في المستقبل، حيث تنظر طوكيو إلى دول جنوب شرق آسيا كوجهات محتملة.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع، طلب عدم الكشف عن هويته، لصحيفة «جابان تايمز»: «لقي قرار أستراليا اختيار سفينة حربية يابانية لفئة الفرقاطات استحساناً واسعاً في أوساط الصناعة اليابانية، لذا نعتقد أن هذا القرار سيكون له تداعيات إيجابية، وسيولد زخماً كبيراً لدى الشركات المحلية، بالنظر إلى حالة فرقاطة موغامي كنموذج».
تعزيز الثقة
وتعتزم كانبرا شراء 11 فرقاطة مُطورة من فئة «موغامي»، حيث اختارت شركة «ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة» اليابانية بدلاً من شركة «تيسنكروب مارين سيستمز» الألمانية، شريكاً مفضلاً لها، لتحل محل السفن الحربية القديمة من فئة «أنزاك» التابعة للبحرية الأسترالية، فيما يُتوقع أن يكون أكبر عقد دفاعي تبرمه طوكيو على الإطلاق.
ومثّل هذا القرار نقلة نوعية في صناعة الدفاع اليابانية، وساهم في محو ذكريات فشل محاولة طوكيو بيع غواصات لأستراليا عام 2016.
وأضاف المسؤول الياباني: «نأمل أن يمنح هذا النجاح الثقة للصناعة اليابانية الأوسع لاستكشاف فرص تصدير الأسلحة مستقبلاً»، في الوقت الذي تسعى فيه الشركات المحلية إلى التغلب على قلة خبرتها النسبية في تنفيذ عقود القدرات الكبيرة لعملاء آخرين غير قوات الدفاع المحلية.
وقد يكون تعزيز الثقة هذا بالغ الأهمية، في ظل سعي طوكيو إلى تعزيز التعاون الدفاعي الصناعي مع حلفائها وشركائها الرئيسين، بما في ذلك دول جنوب شرق آسيا مثل الفلبين وإندونيسيا وفيتنام.
وأضاف المسؤول: «لا تختلف طريقة تفكيرنا عندما ننظر إلى أستراليا أو الدول الشريكة الإقليمية في جنوب شرق آسيا، وهدفنا الأكبر هو تهيئة بيئة أمنية مواتية في هذه المنطقة، ونرى أن تبادل المعدات أدوات مهمة في هذا المسعى»، لافتاً إلى أن «مشاركة الأصول يعني أنه يمكننا الاعتماد على بعضنا بعضاً، والعمل معاً بشكل أوثق».
الفلبين وإندونيسيا
في غضون ذلك، أعربت مانيلا عن اهتمامها بالحصول على سفن حربية صغيرة مستعملة من فئة «أبوكوما»، تابعة لقوة الدفاع البحرية اليابانية، فيما سيكون بمثابة تصدير آخر لمعدات بحرية رئيسة، حيث تهدف اليابان إلى تعزيز القدرات الدفاعية لجيرانها ذوي التوجهات المماثلة. ومن المقرر أن تُخرج طوكيو أول سفينة من أصل ست سفن من طراز «أبوكوما» من الخدمة في عام 2027.
في الوقت نفسه، فإن من المعروف أن إندونيسيا، التي أعربت أيضاً عن اهتمامها بفرقاطة «موغامي» المُحسنة، تدرس أيضاً شراء غواصات مستعملة من فئة «سوريو». ومع ذلك، لايزال من غير الواضح كيف ستتمكن اليابان من تصدير معدات عسكرية مستعملة بموجب لوائحها الصارمة لتصدير الأسلحة، والمعروفة رسمياً باسم المبادئ الثلاثة لنقل معدات وتكنولوجيا الدفاع، أو ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من المراجعة للوائح.
لا يمكن تصدير «موغامي» المُحسّنة إلا بموجب المبادئ التوجيهية الحالية لأنها تندرج ضمن فئة «التطوير والإنتاج المشترك»، والتي عادة ما تكون مخصصة للمعدات الجديدة. ولايزال هذا يتطلب موافقة مجلس الأمن القومي، الذي يحدد كل حالة على حدة.
ومع ذلك، فإن اختيار أستراليا لـ«ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة» لا يعني انتهاء العملية، إذ قال المسؤول الدفاعي الياباني: «هذا القرار يعني أنه يمكننا الآن التركيز على تأمين العقد بدلاً من المنافسة نفسها».
إلا أنه لايزال هناك الكثير مما يتعين مناقشته، بما في ذلك نقل التكنولوجيا، وسلاسل التوريد المتكاملة، وترتيبات الصيانة، والمستوى العام للمشاركة الأسترالية.
وأضاف المسؤول الياباني: «كان اختيار (موغامي) إعلاناً رائعاً، لكن الطريق أمامنا لايزال مليئاً بالتحديات للوصول إلى إبرام العقد».
عقود ملزمة
وتهدف كانبرا إلى إبرام عقود ملزمة وتجارية مع شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة والحكومة اليابانية مطلع العام المقبل، فيما تتطلب خطة الفرقاطة الممتدة لـ10 سنوات، والتي تبلغ كلفتها 10 مليارات دولار أسترالي (6.48 مليارات دولار أميركي)، والمعروفة باسم مشروع «سي 3000»، تسليم أول سفينة حربية بحلول عام 2029 ودخولها الخدمة في العام التالي.
وسيتم بناء السفن الثلاث الأولى في اليابان، وتصنيع السفن المتبقية في منطقة هندرسون في بيرث، حيث ستتولى شركة أوستال الأسترالية بناءها، كما أنه من المرجح أن تُصنع السفن الثلاث الأولى في حوض بناء سفن تابع لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة في ناغازاكي، إلى جانب السفن التي طُلبت بالفعل لمصلحة قوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية.
وفي حال الحاجة إلى طاقة إنتاجية إضافية، أفاد المسؤولون اليابانيون بأن «ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة» قد نقلت بالفعل تقنيات تصنيع «موغامي» إلى أحواض بناء سفن أخرى، بما في ذلك يوكوهاما، وتامانو، بمحافظة أوكاياما.
ولا يُسلّط نجاح عرض اليابان الضوء على مدى التطور الذي أحرزته صناعتها المحلية خلال العقد الماضي فحسب، بل يُبرز أيضاً مدى أهمية التعاون الوثيق مع الحكومة لنجاح الشركات في سوق الدفاع الدولي.
وللمرة الأولى، أنشأت اليابان لجنة ترويجية مشتركة بين القطاعين العام والخاص لدعم مشروع تصدير دفاعي؛ وهو نهج يقول المسؤولون إنه قد يُؤخذ في الاعتبار في مساعٍ مماثلة في المستقبل.
لكن لماذا كثّفت طوكيو مشاركتها؟ في الوقت الذي يعتبر فيه تشكيل البيئة الأمنية الإقليمية وتعميق العلاقات الأمنية من بين أسباب تصدير الحكومات للمعدات العسكرية، فإن مثل هذه التحولات تلعب دوراً رئيساً آخر، إذ تساعد في الحفاظ على صناعة دفاعية مستقلة ومبتكرة، وهو أمر أدركته اليابان كمسألة أمن قومي.
رسائل استراتيجية
ترى اليابان أنه في حالة نشوب صراع، يجب أن تكون القدرة الصناعية الدفاعية لليابان قادرة على تلبية الزيادة السريعة في الطلب، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال قاعدة صناعية دفاعية متينة، وإذا فقدت اليابان هذه القدرة، أو قدرتها على تطوير تقنيات متطورة، فقد تصبح في النهاية معتمدة بشكل مفرط على الحكومات الأجنبية والصناعات الدفاعية.
وفي حين اعتُبرت سفينة «موغامي» المُحسنة الأنسب للبحرية الأسترالية بناء على قدراتها، فمن شبه المؤكد أن عوامل مثل التوافق الجيوستراتيجي المتنامي بين طوكيو وكانبرا، والحاجة إلى قدر أكبر من التوافق التشغيلي مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، إضافة إلى خطط تعميق التعاون الدفاعي الصناعي، كان لها أيضاً تأثير كبير في عملية صنع القرار.
ورغم عدم ارتباط هذه الجوانب مباشرة بالسفينة الحربية فإنها تعد بالغة الأهمية من حيث الموقف الدفاعي الجماعي والرسائل الاستراتيجية، حيث تُشير إلى خصوم مثل الصين وكوريا الشمالية بأن طوكيو وكانبرا ستعملان معاً في المستقبل المنظور.
إلا أنه كان لدور الحكومة أهمية أخرى أيضاً، حيث يقول الخبراء إن العامل الأكثر إقناعاً في عرض طوكيو هو وعودها بتسليم الفرقاطات الثلاث الأولى في الوقت المحدد. عن «جابان تايمز»
التطوير والإنتاج المشترك
فرقاطة ماغومي. رويترز
لم يصبح الالتزام الخاص بالفرقاطة «موغامي» ممكناً إلا بعد أن سمحت الحكومة اليابانية صراحة بالتطوير والإنتاج المشترك للفرقاطات، ما هدأ المخاوف بشأن القيود المفروضة بموجب ضوابط تصدير الأسلحة. وقال خبير الدفاع الياباني في «مؤسسة ساساكاوا للسلام» بالولايات المتحدة الأميركية، جيمس شوف: «مقارنة بعام 2016، كانت الحكومة وشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة أكثر استباقية هذه المرة. لقد فهمتا ما يهم العميل من حيث جدول التسليم، وأداء السفينة، وتكاليف دورة الحياة، وما إلى ذلك، وسوقتا لنفسيهما بنجاح أكبر».
• سيتم بناء السفن الثلاث الأولى في اليابان، وتصنيع السفن المتبقية بمنطقة هندرسون في بيرث، حيث ستتولى شركة أوستال الأسترالية بناءها.