حب الأوطان من الإيمان
إخوة الإيمان، إن الفاقد للأمنِ فاقدٌ للوطن والفاقدُ للاستقرارِ فاقدٌ للاطمئنانِ.
فقد قال اللهُ تعالى في كتابهِ العزيزُ آمراً عباده المؤمنينَ بالمحافظةِ على وُحدتِهِم وقوةِ لُحمتِهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).
والناظرُ في سُنةِ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ يتعجبُ من شِدةِ حُبهِ لوطنِه مكةَ المكرمةِ بعدَ هجرتِهِ بسنواتٍ طِوالٍ من إيذاءِ أهلِ مكةَ لهُ وتصديِ كثير منهُم لدعوتهِ، وكذلك حُبهُ للمدينةِ المنورةِ وهي موطنهُ الثاني الذي آواهُ وواساهُ.
فقد جبلَ اللهُ النفسَ البشريةِ على حُبِ وطنِها والشوقِ إليهِ إن غادرتهُ، والدفاعِ عنهُ إذا هُوجِمَ وعُودي والذودِ عنهُ إن تُكُلمَ فيه أو انتُقِصَ، تدمعُ العينُ لفِراقِ الوطنِ ويحن له الفؤاد.
فالوطن هو بُقعةُ الأرضِ التي يولدُ عليها الإنسانُ ويعيشُ فيهِ ويشعُرُ فيهِ بالارتباطُ والانتماء إليهِ.
وإذا تحققَ الأمنُ تحققَ الانتماءُ والولاءُ للوطنِ والشعور بالمسؤوليةِ والدفاعِ عن مكتسباتهِ وكان شخصيةً إيجابيةً ذا مُشاركةٍ فاعِلةٍ مُبدعاً في عمليةِ التنميةِ باذلاً لأقصى الجهودِ حامياً لحدودهِ كما نراهُ جلياً واضحاً فيما يُقدمهُ جنودنا البواسل في الدفاعِ عن بلدِ التوحيدِ ومقدساتهِ ووُلاةِ أمرهِ في حدودِ بلادِنا أو في كسرِ شوكةِ الخوارجِ المارقينَ عن هديِ سيدِ المرسلينَ وما ينتِجُ عن ذلكَ من انتصاراتٍ مذهلةٍ تُسطرُ لهم في حياتِهم وفي تاريخِ هذا الوطنِ وفي أذهانِ هذا الجيلِ الصاعدِ.
أسالُ اللهَ جل في علاهُ أن يحفظهُم بحفظهِ وأن يكلأهُم برعايتهِ وعنايتِهِ وأن يجعلَ ما يقدمونَه في ميزانِ حسناتِهِم يوم يلقونهُ، وأن يرحمَ شُهداءهُم ويداوي جرحاهُم.
إن من المحافظة على أمن الوطن ومقدساته طاعة ولي الأمر التي هي أصل من أصول عقيدة السلف الصالح ومعتقدٌ يعتقِدهُ أهل السنةِ والجماعةِ، فقد جاء في كتابهِ العزيزِ ما يؤكدُ ذلكَ ويأمرُ بهِ كما في قولِ الحقِ تباركَ وتعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
فطاعتهُ واجبهٌ في غير معصيةِ اللهِ لقولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “من أطاعَ الأميرَ فقد أطاعني ومن عصى الأميرَ فقد عصاني”.
وجاءَ أمرهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في التحذيرِ من الفتنِ ومعصيةِ ولي أمرِ المسلمينَ قولهُ “من أتاكُم وأمركُم جميع على رجلٍ واحدٍ يريدُ أن يشُقَ عصاكُم أو يفرقَ جماعتكُم فاقتلوه” لأنها لا تنتظمُ الأمورُ ولا تصحُ الأحوالُ إلا بالسمعِ والطاعةِ للإمامِ.
ولذلكَ فإن الخروج عليهم من أعظم الفتن والمصائب لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ ” لنتأمل في هذا الحديث العظيم يا أمة الإسلام ففيه تحقيق للخيرية والسلامة من الآفات والشرور.
وقد قال أهل العلم: إن من دلائل كبائر الذنوب أن يقول الشارع ليس مني ولست منه كما في قوله صلى الله عليه وسلم السابق.
قال ابن تيمية رحمه الله:” وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير”.
وإننا في هذا البلادِ المباركةِ لنحمد الله عز وجل على ولاة أمرنا، وندعو الله لهم بالإعانة والسداد لما نراه من تحكيم شرعه في البلاد وبين العباد وإقامة الصلوات وعمارة بيوت الله وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.