أسعار الشوكولاتة.. سلسلة الزيادات لن تتوقف

ت + ت الحجم الطبيعي
بينما نبتعد أقل من شهر عن الفصح، بدأت أفكار المستهلكين المحبين للحلوى في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية في التحول نحو الشوكولاتة.
وستشهد المملكة المتحدة وحدها بيع عشرات الملايين من بيضات شوكولاتة الحليب، لكن يُتوقع أن تكون الأسعار أعلى هذا العام عن أي عام على الإطلاق، والأمر لا صلة له بالضغوط التضخمية الموجودة في السوق.
المسألة في واقع الأمر تتعلق بزيادات لا تتوقف بأسعار الكاكاو في الأشهر الأخيرة، وتقف وراء ازدياد التكاليف، فقد تصاعدت أسعار حبوب الكاكاو إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وقفزت أسعار العقود الآجلة للكاكاو في نيويورك بأكثر من الضعف مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وجرى تداول العقود الآجلة للكاكاو في لندن، منذ أسبوع، عند مستويات مرتفعة قياسية بلغت 5.827 جنيهاً إسترلينياً للطن الواحد، بينما في اليوم ذاته من العام الماضي كانت تسجل 1.968 جنيهاً إسترلينياً للطن.
ويعود ارتفاع الأسعار جزئياً إلى محدودية الإمدادات. وألقى سوء الأحوال الجوية في كل من ساحل العاج وغانا بظلاله على المحاصيل، وهما تنتجان معاً ثلثي حبوب الكاكاو على مستوى العالم.
وعادت ظاهرة النينيو، وهي ظاهرة ذات صلة بدرجة حرارة البحر وتقع كل ثلاثة إلى خمسة أعوام، في العام الماضي، وجلبت معها إلى المنطقة في البداية أمطاراً غزيرة في غير موسمها، أتبعتها حرارة جافة. وقد أسفر ذلك عن محصول عالمي أقل بنسبة 11% مقارنة بموسم العام الماضي، بحسب التوقعات التي نشرتها منظمة الكاكاو الدولية. ويحذر محللون، من تمرير مصنعي الشوكولاتة والعلامات التجارية التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين، إن لم يكونوا قد فعلوا ذلك بالفعل.
يعتقد بول جولز، محلل الكاكاو لدى «رابوبنك»، أن العلامات التجارية ستحد من خسائرها بتقليص أحجام قوالب الشوكولاتة وعن طريق رفع الأسعار. ورجح جولز، حلول قوالب الشوكولاتة المحشوة بالفاكهة أو المكسرات محل قوالب الشوكولاتة العادية، أو بدائل أقل كثافة في الشوكولاتة.
ومن غير المرجح أن يكون هذا الوضع مؤقتاً. وفي حين حفّزت ظاهرة النينيو أسعار الكاكاو على تحقيق قفزات وفاقم المضاربون من الأمر بتكالبهم على العقود الآجلة، فإن المشكلات الهيكلية المتجذرة تعزز الضغوط على الإنتاج. وما بين التغير المناخي والنقص المزمن في الاستثمار، لن تُحَل هذه المشكلات بمجرد تعاقب الفصول.
يرى دوغلاس لامونت، الرئيس التنفيذي لدى «تونيز تشوكولونلي»، وهي علامة تجارية مستدامة للشوكولاتة تدفع للمزارعين علاوة دخل معيشي بجانب سعر المحصول، أن النموذج القائم بحاجة للتعديل، وإلا فلن يسير الوضع إلا في اتجاه واحد، ينطوي على محاصيل أقل وفرة. وبالنسبة لمزارعي الكاكاو مثل إيسيفو إيساكا، تعد مراقبة مكاسب السوق محيرة. وتم تداول العقود الآجلة للكاكاو في نيويورك، منذ أسبوع، عند 6.648 دولاراً أمريكياً للطن، لكنه أفاد بحصوله على 1.700 دولار للطن.
تضاءل محصول إيساكا على مر الأعوام القليلة الماضية، الذي ينتجه من أرضه البالغة مساحتها 11 فداناً في محلية بيبياني أنهوياسو بيكاوي الواقعة شمال غربي غانا، متأثراً بازدياد تكاليف المدخلات وسوء الأحوال الجوية والأمراض.
وحذر إيساكا، من هبوط محصول ثاني أكبر دولة منتجة في العالم إلى النصف في غضون خمسة أعوام حال عدم أخذ الحيطة. وأدت أعوام مديدة من الإنتاج الكبير للكاكاو، لاسيما في ساحل العاج المجاورة التي تنتج قرابة نصف المعروض العالمي، إلى الإبقاء على الأسعار المنخفضة بصفة عامة.
وقد تكون هذه بمثابة أنباء سارة للمستهلكين في الغرب، لكن ذلك يعني عدم تمكّن المزارعين الذين يعانون ضوائق مالية من الاستثمار في مزارعهم للكاكاو. ولم يزرع غالبيتهم أشجاراً جديدة منذ أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، ولا يتحملون كلفة استخدام الأسمدة أو المبيدات.
ومع تقدم عمر الأشجار، فإنها تكون أقل إنتاجية، وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض والظروف الجوية المعاكسة.
وجلب العام الماضي، كلا الأمرين، فقد تفشى فيروس نبتات الكاكاو المنتفخة، الذي تنقله حشرات البق الدقيقي، في مزارع الكاكاو في أنحاء المنطقة. ويتمثل العلاج الوحيد في اقتلاع الأشجار تماماً، علاوة على ذلك، استشرى مرض القرنة السوداء، وهي عدوى فطرية تؤدي إلى تعفن حبوب الكاكاو، في ظل الرطوبة الناجمة عن هطول الأمطار في صيف العام الماضي.
قال نانا أروفي كورام، رئيس منطقة نواماكروم في مقاطعة تويفو آتيموركوا: «الأشجار في نهاية عمرها». وتضم المقاطعة 3.000 فدان من الأراضي المزروعة بالكاكاو، يعمل فيها غالباً مزارعون مستأجرون. وزُرعت بعض هذه الأشجار حينما امتلك جده الأرض، ووالده من بعده، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأفاد بأن أصغر هذه الأشجار عمراً يبلغ 30 عاماً.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت الظروف الجوية الرطبة أمام الجفاف الحار، ما جلب في جعبته مشكلات أخرى لأشجار الكاكاو الحساسة. وأردف: «الأشجار واقعة تحت ضغوط كبيرة وتصفر الأوراق»، موضحاً أن ذلك يقلل من حجم المحاصيل. ويلقي كورام باللوم على التغير المناخي في ذلك. وقال مفسراً: «تهطل الأمطار في غير مواسمها حالياً، كما أن المواسم الجافة أكثر حرارة عما كانت عليه من قبل».
ولفت كورام، إلى أن الأصناف الجديدة من البذور تعد أكثر مرونة في مواجهة مثل هذه التغيرات، لكن مزارعي الكاكاو ليس لديهم المال اللازم الذي يمكّنهم من التكيف، مع اشتداد زخم التغير المناخي. ويتخلى الكثير من صغار المزارعين عن زراعة الكاكاو في غانا، ويستعيضون عنه بمحاصيل أسهل، مثل الكاسافا.
من جهتها، اتخذت حكومتا ساحل العاج، وغانا، تدابير ترمي إلى حماية المزارعين من الأسعار دائمة الانخفاض. وشكّل مجلس القهوة والكاكاو في ساحل العاج ومجلس الكاكاو في غانا، اللذان يحددان الأسعار استناداً إلى متوسط الموسم السابق، تكتلاً للتصدير في 2019 على غرار منظمة «أوبك» للنفط.
وأعلن التكتل، العمل بما أسماه «تفاوت دخل المعيشة»، وهي علاوة تُحتسب في أسعار المزارع وقيمتها 400 دولار للطن الواحد، علاوة على سعر العقود الآجلة.
وفي الوقت ذاته، لا تشهد شهية العالم تجاه الشوكولاتة إلا صعوداً لا يتوقف. وازداد الطلب على الكاكاو بأكثر من الضعف في العقود الماضية، ما أسفر عن عجز كبير. وتشير توقعات منظمة الكاكاو الدولية، إلى تخطي الطلب للمعروض من السلعة بأكثر من 370.000 طن هذا العام. وسيكون العجز كبيراً إذا تسبب في تغيير نسبة المخزون العالمي إلى إجمالي الاستهلاك. وذكر نيكو ديبينهام، المدير الإداري لدى «ساستينابليتي سوليوشنز» التي تقدم استشاراتها للشركات: «إنه يؤثر بالفعل على النسبة».
وتبلغ نسبة العجز حالياً 31.4%، وهو ما سبب ذعراً لدى الجميع، ما أدى بالجهات التجارية، حسب ديبينهام، إلى بدء مواصلة الشراء أكثر فأكثر، لتندفع الأسعار إلى مستويات أعلى. وكان ديبينهام شغل من قبل منصب رئيس الاستدامة لدى «باري كاليبو»، وهي أكبر مصنعة للشوكولاتة على مستوى العالم. وقال إن الشركات الصغيرة ستواجه صعوبة في مواكبة ذلك، مضيفاً: «تحتاج هذه الشركات إلى ضعف هذا القدر من المال لإنجاز الأعمال بالقدر ذاته».
وحتى الجهات الكبيرة تشعر بوخز الأمر، فقد أعلنت «باري كاليبو» الأسبوع الماضي، اعتزامها خفض 18% من قوتها العاملة. أما «هيرشيز»، فقد أفصحت عن خطة لتقليص 5% من الوظائف لديها، بعد إعلانها انخفاض الأرباح على أساس سنوي بنسبة 11.5% في الربع الرابع من 2023.
يدفع عدد متزايد من الأصوات بأن هذا الوضع يمثل فرصة للتغيير. ويعتقد لامونت، أن هذه «لحظة ممتازة للصناعة لكي تلتزم بدفع المزيد للمزارعين، لأن أسعار المستهلكين ارتفعت بالفعل»، ومع ذلك أعرب لامونت عن خشيته من انخفاض أسعار الكاكاو في نهاية المطاف، لأنهم سيحصلون الأرباح بكل سهولة.
يكمن الخطر إذن في أن هذا سيضع العالم على مسار تكون فيه الشوكولاتة سلعة فاخرة، وسيواجه المزارعون في غرب أفريقيا صعوبة في البقاء.
تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز