دعما لرسالة المحاماة

رهان المحامين لا ينبغي أن يرتكز على قانون منظم للمهنة يستجيب لتطلعاتهم فحسب بل أيضا على إفراز قيادات مهنية تضطلع بشؤون المهنة و تسهر على حماية مكتسباتها و دعم قواعدها في اتجاه ترسيخ الذات الأخلاقية وتكريس القيم الجوهرية الفضلى لرسالة الدفاع .
القيادات المهنية مسؤولة عن التوجيه الأخلاقي و القيمي للممارسين و للأجيال الملتحقة بالمهنة و على دعم قدراتهم الذاتية و المهنية لتحقيق ممارسة مهنية سليمة و هي بذلك مطالبة باعتماد مقاربات و استراتيجيات جديدة للفعل المهني ترتكز أساسا على خلق توازن في معالجة شؤون المهنة و مراجعة آليات تدبيرها و تكثيف المبادرات المهنية الاستباقية لتصحيح الوضعيات المتردية و دعم التضامن المهني و الاجتماعي و الإشراك الواسع للقواعد في الأنشطة المهنية و الثقافية و الرياضية و ذات الطابع الاجتماعي و تفعيل أدوار الجمعيات العمومية وكل الآليات المؤسساتية المتاحة في اتجاه دعم حرية الدفاع و حصانته و استقلاليته.. معتمدة الحوار الجاد و المسؤول الذي يحترم الرأي و الرأي الآخر و يعتمد النقذ الذاتي و الموضوعي عند التعامل مع الملفات و القضايا المطروحة و إدارة الاختلافات من منطلق أن الاختلاف في وجهات النظر أو في المقاربات يعد عاملا إيجابيا وصحيا ، طالما أنه نابع من قناعات قائمة لدى أصحابها و ليس مصطنعا لمجرد العرقلة أو افتعال الأزمات ..
إن من شأن كل ذلك أن يجعل من المحاماة بقواعدها و قياداتها قوة تسهر على حماية المهنة وتحتكم لمبادئ الأخلاق المهنية في ممارساتها و تتحلى بروح مهنية دافقة تقبل النقد و المساءلة و تتوخى الاجتهاد بالقدر و المنطق و الإيثار للنفع المهني العام.
أزمة المحاماة اليوم نابعة ليس مما قد تشتكيه من قوة الهجوم عليها و المساس بمقوماتها فحسب بل نابعة أيضا و أساسا من ضعف آليات دفاعها عن نفسها في ظل محيط عام يشهد تدنيا متواترا و متسارعا في القيم و الأخلاقيات على مختلف المستويات مما ينعكس سلبا على طبيعة الاختيارات المهنية و يؤشر لتراجع في قدرات المؤسسة المهنية على الدفاع عن مصالحها .
على عاتق رجالات و نساء الدفاع رهان أساسي و مفصلي قوامه تحقيق نهضة مهنية شاملة تبوئ المحاماة مكانتها العليا داخل المجتمع و تحفظ للمحامين بريقهم و إشعاعهم كطليعة لنخبه .و من ثم ضرورة حرصهم قيادات و قواعد على أن يحمل القانون المنظم لمهنتهم في صيغته الجديدة كل ما يحفظ و يعزز من مكتسباتها و يدعم حرية الدفاع و حصانته و استقلالية قراره و أن يدشن كل جديد فيه لمرحلة جديدة و متجددة تعكس صحوة مهنية توحد الصف المهني و تعترف بالأخطاء و تتدارك النواقص و الزلات و تعتمد آليات ديمقراطية مهنية قوية ممتلئة بالشفافية و مرتكزة على قواعد تضبط الحق و الواجب و تجعل من استحقاقاتها فعلا ايجابيا يترجم إرادة المحامين في بناء المستقبل و لتعكس المحاماة وعيا مهنيا قادرا على التصدي لكل المؤامرات التي قد تطال المحاماة سرا و علانية .. بالنضال المهني الجاد و الحوار البناء والحرص على إيجاد مساحات للتوافق كلما تطلب الأمر ذلك تحقيقا للأفضل ..
و المحامون من هذا المنطلق هم من يجب أن يؤثر في السياسة و يوجهها لخدمة مهنتهم و الاعتزاز بقيمها و أدوارها و دعم أهداف رسالتها.. ترسيخا لدولة الحق و سيادة القانون.