اخبار

نسرين موسى: أكفان بدلًا من الألعاب: يوم الطفل الفلسطيني في غزة الجريحة..

في يوم الطفل الفلسطيني، وبينما يحتفل أطفال العالم ببهجة الطفولة وألوانها الزاهية، يقف أطفال فلسطين في قطاع غزة تحت سماء ملبدة بالدخان ونيران الحرب، لا يشعرون بالحياة.
كيف لهم أن يشعروا بها وقد سلبت منهم أبسط مقوماتها؟ كيف لهم أن يبتسموا وأصوات القصف تدوي في آذانهم ليل نهار؟ كيف لهم أن يحلموا بمستقبل مشرق وأحلامهم تتطاير شظايا في الهواء؟

منذ السابع من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين، وهو تاريخ سيظل وصمة عار في جبين الإنسانية، يقبع براعم غزة تحت وطأة حرب ضروس، حرب لم ترحم طفولتهم البريئة، حرب أكلت حقوقهم كما تأكل النار الهشيم، والتهمت أجسادهم الغضة بنيرانها الحارقة. أي ذنب اقترف هؤلاء الصغار ليُزج بهم في أتون هذه المعركة الطاحنة؟ أي خطيئة ارتكبوا ليُحرموا من أبسط حقوقهم في الحياة والأمن والغذاء؟
لقد أغلقت المعابر، تلك الشرايين التي كانت تحمل إليهم بصيصاً من الأمل، فأصبح لا طعام يدخل ليُسكت جوعهم، ولا ألعاب تُعيد البسمة إلى شفاههم الذابلة. وحتى عندما يغامرون بالبحث عن لقمة عيش تسد رمقهم، يصطفون في طوابير طويلة أمام التكية، ينتظرون بقلوب مفزوعة طبقاً شاحباً من العدس أو البازيلاء، بالكاد يكفي لطفلين جائعين، وما يكادون يحصلون عليه حتى تمتد إليهم يد الغدر بقصف جديد، يحيل فرحتهم البائسة إلى أشلاء ودماء، ويموتون دون أن يرف للعالم جفن، ودون أن تتحرك الدول لوقف هذا النزيف المستمر لدمائهم الزكية.
لم تتوقف مآسيهم عند هذا الحد، فالتلوث ينهش أجسادهم النحيلة، والمياه الآسنة تفتك بصحتهم، والأمراض تفتك بهم فتكاً ذريعاً في ظل نقص حاد في الأدوية والعلاجات.

كيف لطفل يئن من وطأة الجوع والمرض والخوف أن يشعر ببهجة يومه؟ كيف له أن يلهو ويلعب وأشباح الموت تحوم حوله في كل مكان؟
وها هو يوم الطفل الفلسطيني يحل، ويا له من يوم أسود يمر على أطفال غزة! أجساد أطفالنا تلتصق لحومها بألواح الصفوف الدراسية، بعد أن مزقها صاروخ غادر لم يفرق بين طفل يحمل قلماً وآخر يحمل دمية.
يأتي هذا اليوم على طفلة صغيرة تصرخ بقلب مفطور: “هذه أمي! أعرفها من شعرها!” وتشير بيدها الصغيرة المرتعشة إلى أشلاء ممزقة، وتضيف بصوت يخنقها البكاء: “وهذا أخي وهذه أختي… تم قتلهما!” أي فاجعة أعظم من هذه؟ أي ألم أشد وطأة من هذا؟
لا يوم طفل يأتي على غزة ببهجة وسرور، ولا أعياد تحتفل بها قلوبهم الصغيرة.
 كل مناسبات الطفولة التي يحتفل بها أطفال العالم، قضاها أطفالنا في غزة وهم يرون ملابس العيد تُقص عنهم ليُلبسوا بدلاً منها الأكفان البيضاء.
أي طفولة هذه التي تُستبدل فيها الألوان الزاهية بالكفن الأبيض، والضحكات البريئة بالدموع والأنين؟
في يوم الطفل الفلسطيني هذا، نوجه نداءً دامعاً إلى ضمائركم الحية، إلى الإنسانية جمعاء: داروا وجوهكم قليلاً عن لهوكم وانشغالكم، وانظروا إلى عتب أطفالنا المثقل بالأوجاع، استمعوا إلى أناتهم الصامتة التي تخترق جدران الصمت العالمي. كفى صمتاً، كفى تقاعساً، كفى تجاهلاً لهذا الشلال المتدفق من الدماء البريئة.
أطفال فلسطين يستحقون الحياة، يستحقون الأمن، يستحقون الفرح.
لهم الحق في أن يعيشوا طفولتهم كاملة غير منقوصة، أن يلعبوا، أن يتعلموا، أن يحلموا بمستقبل أفضل.
لا تدعوا هذا اليوم يمر كغيره من الأيام، بل اجعلوه صرخة مدوية في وجه الظلم، ودعوة صادقة للعمل الجاد من أجل وقف هذه الحرب اللعينة، ورفع الحصار الظالم عن غزة، وإعادة البسمة والأمل إلى وجوه أطفالها الذين فقدوا كل شيء إلا إيمانهم بالله وحبهم للحياة.
فلنتذكر دائماً أن أطفال اليوم هم قادة الغد، وأن حرمانهم من حقوقهم الأساسية هو تدمير لمستقبلنا جميعاً.
لنكن صوتهم الصارخ، وضميرهم الحي، حتى يعود يوم الطفل الفلسطيني يوماً للفرح الحقيقي، لا للوجع والذكرى الأليمة.
كاتبة فلسطينية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى