لماذا ظهر الإنسان العاقل في أفريقيا قبل كل قارات العالم؟
01:53 م
الإثنين 27 مايو 2024
كتب- رامز زكريا:
يمكن لكل شخص على وجه الأرض اليوم أن يتتبع أصوله إلى أفريقيا، حيث ظهر الإنسان الحديث (الإنسان العاقل) قبل 300 ألف سنة على الأقل. لكن سلفنا الإنسان المنتصب عاش في أفريقيا وأوروبا وآسيا، وكذلك فعل سليله المحتمل إنسان هايدلبرج.
أدى إنسان هايدلبيرج إلى ظهور 3 أشباه البشر على الأقل في أماكن مختلفة: إنسان نياندرتال (في أوراسيا)، وإنسان دينيسوفان (في آسيا)، والإنسان الحديث (في أفريقيا).
إذن لماذا أدى إنسان هايدلبرج إلى ظهور الإنسان العاقل في أفريقيا؟
قالت برينا هين، عالمة الوراثة السكانية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، لموقع لايف ساينس: لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا أولاً فحص العملية التي تطور من خلالها الإنسان العاقل لأول مرة. تتبعت دراسة نشرت عام 1987 في مجلة Nature جميع الحمض النووي للميتوكوندريا البشرية الحديثة إلى مجموعة سكانية واحدة في أفريقيا عاشت منذ ما بين 200 ألف و150 ألف سنة.
ومع ذلك، تتحدى هين وعلماء آخرون فكرة أن مجموعة سكانية واحدة فقط هي التي أدت إلى ظهور الإنسان الحديث. عندما بدأ الإنسان الحديث في الظهور، انتشر أسلاف الإنسان العاقل في عشرات المجموعات السكانية المتخصصة في جميع أنحاء أفريقيا، تلك القارة الضخمة التي تضم مجموعة متنوعة من النظم البيئية، لذلك كان على هؤلاء السكان التكيف بما يتناسب مع مناطقهم المحددة.
في دراسة أجريت عام 2023 ونشرت في مجلة Nature، وجدت هين وزملاؤها أنه من المحتمل أن يكون اثنان على الأقل من هذه المجموعات الجذعية هم منشئو الإنسان العاقل. واقترحوا أنه على الرغم من العيش منفصلين لآلاف السنين، إلا أن الأفراد من هذه المجموعات ما زالوا يختلطون في مرحلة ما، ما أدى إلى تكوين مجموعة جذعية فضفاضة أصبحت في نهاية المطاف جنسنا البشري.
وتكهنت هين بأن التنوع البيئي للقارة الأفريقية والاختلاط اللاحق بين مجموعات سكانية متعددة قد يكون هو ما سمح للبشر المعاصرين بالتطور. وقالت: «نظرًا لوجود كل هذا التنوع الجيني أو السلوكي، فهذا حقًا ما سهّل وجود حزمة معقدة سمحت للإنسان العاقل بأن يكون على ما هو عليه الآن».
قال كيرتس ماريان، أستاذ علم الإنسان القديم والمدير المساعد في معهد أصول الإنسان بجامعة ولاية أريزونا، إن العلماء ما زالوا يختلفون حول ما إذا كانت مجموعة سكانية واحدة، أو نظرية هين حول عدد قليل من المجموعات السكانية، هي التي أدت إلى ظهور الإنسان الحديث. ومع ذلك، فإن هاتين النظريتين المتشابهتين مقبولتان أكثر من فرضية عموم أفريقيا الأحدث، التي تقول إن البشر تطوروا في نفس الوقت في جميع أنحاء القارة الأفريقية.
وقال: “إنها لا تتناسب حقًا مع أي نظرية لدينا حول كيفية حدوث التطور”. ويتفق مع هين في أن الحجم الهائل لأفريقيا من المحتمل أن يكون قد خلق التنوع الجيني الذي سمح بتطور الإدراك المتقدم والتعاون الاجتماعي للإنسان الحديث.
وقال للايف ساينس: “كلما زاد التنوع الجيني لديك، زادت احتمالية تطور شيء مثير للاهتمام”. وعلى الرغم من أن أوروبا وآسيا مجتمعتين تتمتعان أيضًا بمساحة هائلة، إلا أن المناخ الأكثر دفئًا في أفريقيا كان من الممكن أن يمنح الإنسان العاقل الميزة. وقال ماريان إن الفترات الجليدية التي تحدث كل 100 ألف عام كانت ستحيط الإنسان الأوراسي بالجليد، في حين أن الإنسان العاقل الأفريقي لم يفقد سوى القليل من نطاقه خلال تلك الفترات. ومع وجود نطاق أكثر ترابطًا، كان لدى الإنسان العاقل مساحة أكبر للتنويع وإمكانية وصول أكبر لبعضه البعض، ما يسمح بمزيد من تدفق الجينات.
يؤكد ماريان أن كل هذا نظري ولا يزال هناك الكثير لاكتشافه، مثل أي مجموعة سكانية تطورت إلى إنسان حديث وما إذا كانت اللغة لعبت دورًا في التطور المعرفي للإنسان الحديث. يأمل ماريان أن تستكشف الأبحاث المستقبلية هذه الأسئلة.